(محبوبات) عالية ممدوح – د.حاتم الصكَر

ترفض الروائية عالية ممدوح ما يعرف تجنيساً بالأدب النسوي وتصرح بذلك في مقابلاتها وكتاباتها غالباً.لكن التوقف عند روايتها (المحبوبات) تعكس وعياً بالنوع النسوي(الجندر) ومعالجة قضية وجود المرأة لا كأنثى مقابل الذكر اجتماعياً ، بل كوجود مستقل لها اختياراتها ومواقفها التي تؤلف مجمل مزاياها الشخصية .يقودنا العنوان -الجمع المؤنث ، ودلالته إلى التأكيد على ظهور النسوية في وعي الكاتبة وتفاصيل روايتها.المحبوبات هن صديقات شخصية العمل الرئيسية -سهيلة التي لا يلتقي بها القارئ مباشرةً ؛لأن الرواية تبدأ وهي في غيبوبة في المستشفى وتنتهي بذلك.المحبوبات هن صديقات مقربات لقلب سهيلة ، الراقصة المسرحية تفريقاً لها عن الراقصات المحترفات والتي ورثت رغبة التمثيل وعشقته بتأثير والدها. بينما هي تحتفظ للزوج بصورة ذلك العسكري الصارم الذي يترك آثار قسوته على جسدها . والمحبوبات يتولين في أخريات عمر سهيلة تعويض المحبة الغائبة في حياتها الأولى قبل هجرتها وعيشها في باريس.وللعنوان دلالة شعبية أيضاً ،فالمحبوبة لا تدل على المعشوقة فحسب ،بل على لطف في الشخصية يمنحها محبة الآخرين الذين يصفونها بذلك. وليكن! حتى لو يعوضن عن حب مفتقد، فهن يقمن بدور نوعي منعكس عن وعي الكاتبة الذي ستؤكده عتبة قراءة أخرى هي إهداء العمل إلى هيلين سيكسو في صفحة الرواية الأولى، والذي يعد من موجهات القراءة ويقود إلى استكشاف الوعي النوعي (= النسوي) الذي يقف وراء إنتاج المحبوبات، رغم رأي الكاتبة حول الكتابة النسوية.فالفرنسية سيكسو الكاتبة والناقدة النسوية الفرنسية سيعزز وجودها في مدخل الرواية ذلك التوجه الذي نريد أن نعرضه في هذه القراءة.
لكن التوقف عند دلالة العنوان والإهداء ومفارقة تعارض الوعي والتصريح لا يعطي الرواية حقها في الجانب الفني.إن الراوي العليم (نادر) هو الذي ينوب عن أمه سهيلة في استعادة حياتها ،بينما هي في غيبوبتها .يأتي من كندا حيث يقيم وأسرته ليراها .ومنذ سطر الرواية الأول يتكلم بلسانها:( في المطارات نولد وإلى المطارات نعود.إنني متأكد من ان أمي سهيلة قالت هذه الجملة يوما ً ما…).ستكون مهمة نادر استعادة حياة سكتت عنها سهيلة في غيبوبتها.وأرى أن موقع الراوي هنا وإضمار حضور الشخصية الرئيسية ،أي إنابة راوٍ متكلم عن الشخصية الأساسية تشكل لعبة فنية أدارتها الكاتبة بمهارة، ونجحت في تحميل الإبن تلك المهمة.إن عالية ممدوح تقوم باستبدال الشخصية بالراوي، ولا تتوقف عن ذلك إلا في النهاية.فبعد عشرين فضلا مرقما يروي فيها نادر عن أمه ،ويستعيد حياتها المميزة بالكفاح والمحبة والجرأة، توقف الكاتبة هذه اللعبة السردية؛ لتلجأ إلى تقنية معروفة كثيرا ما استعان بها الروائيون لتوثيق متونهم السردية: أعني اليوميات.ثمة في نهاية الرواية فصل بعنوان ( يوميات) ويليه فصل( يوميات كندا) وهنا فحسب نلتقي بسهيلة مباشرة ونقرأ يومياتها المدونة في مخطوط يعثر عليه نادر في سكنها بينما هي في المستشفى.
نتعرف إلى سهيلة بلا وسيط هذه المرة .و سيحضر الوسيط الغائب في كثير من نصوص اليوميات لاسيما الكندية .إنه ابنها الذي تحلل شعوره ووعيه وتراقب شخصيته ،كما كانت تفكر في قصة حب فاشلة عاشها، وصارت حبيبته إحدى محبوبات أمه متزوجة من رجل آخر. ووسط سرد نادر يتوقف الراوي قليلا في صمت تملأ فراغه رسائل يعثر عليها نادر بين أمه وصديقاتها المحبوبات.
محبوبات عالية ممدوح متنوعات المنبت والهوية ،لكن حبها يجمعهن ،ويجعل نادر يتابع ذلك بشغف .فهن اللواتي يستقبلنه ويدرن به في الأماكن ويذهبن به لرؤية أمه.وعبرهن تعرف إلى كثير من معاناة سهيلة التي تترك لهن ما يشبه وصية. سيعمل نادر لمساعدة نرجس على نشر ما جمعته سهيلة عن العراق خلال حروبه و فترة الاحتلال: ملفات الأسرى والشكاوى والتظاهرات ( وتجميع كل شيء وأي شيء عن العراق..) ذاكرة سهيلة إذن يقظة رغم غيبوبتها وشللها المنتظر، كأنما هي تنبعث من رمادها كما تريد الكاتبة لوطنها المعذب الجريح.وأحسب أن ذلك أحد أسرار الفتنة والمتعة التي تتركها الرواية في القارئ ،كما تترك الأم ذكراها في أرجاء بيتها وماضيها وأسرتها ومحبوباتها قبل ذلك.