الرواية النسوية العربية في العراق1950-2017

من الحضور إلى الظاهرة

-القسم الثاني-

( 4 )
استمراراً مع البحث عن الريادة في الكتابة النسوية العراقية، معروف أن نازك الملائكة وضعت شروطاً أو مواصفات، وليس السبق التاريخي فقط، للعمل ليكون
رائداً فعلاً، وبه يكون صاحبه كذلك، هي: السبق التاريخي، وأنْ لا يكون منفرداً ولا جهداً فردياً، وأنْ يرافق صاحبَه مَن يؤيده ومَن يعارضه، وأن يصاحبه اشتغال نقدي
أو حركة نقدية تتناوله أو تنظّر له، وأن يؤدي أو يدفع آخرين للكتابة أو التأليف على منواله أو في مساره. وعليه ولأن الكثير من هذه الاشتراطات، وليست كلها، قد
تحققت مع سميرة المانع في “السابقون واللاحقون”، تعلقاً بالرواية النسوية، فإن العمل يستحق صفة الريادة، وتبعاً لذلك تستحق كاتبتها بها أن تُعد رائدة الرواية
النسوية في العراق. يدعم هذا كله أن الأعمال الروائية وشبه الروائية والقصصية الطويلة للعراقيات، ومنهن سميرة المانع نفسها، سرعان ما أخذت تصدر لتسهم في
ترسيخ مكانة المرأة كاتبةً للرواية في العراق. المفارقة الطريفة والدالة، تعلقاً بالأعمال التي صدرت مع رواية “السابقون واللاحقون” وبعدها، أنّ أيّ عمل نسوي يستحق فنياً أن نشير إليه لم يصدر قبل صدور رواية سميرة المانع التالية “الثنائية اللندنية” سنة 1979. ولكن في بعض هذه الأعمال، التي تتعدى العشرة، ما يؤيد بدرجة ما أن مسيرة الرواية النسوية قد تواصلت، وأهمها: “عيناك علمتاني”- 1972- لشرقية الراوي، و”نخيل وقيثارة”- 1973- لسليمة خضير، و”النهوض”- 1974- لسالمة صالح، و”النافذة”- 1975- لبديعة أمين. أما ما بعد “الثنائية اللندنية”، فقد شهدت هذه المسيرة تقطّعاً وعدم تواصل كان مأمولاً، ولكن مع إيجابية ظاهرتين متداخلتين لا
يمكن إغفالهما، وتتمثلان في صدور أعمال روائية نسوية مهمة، وفي دخول أسماء روائيات سيكون لهن شأن غير عادي في مسيرة الرواية النسوية، بل العراقية عموماً. فمن أهم ما صدر من أعمال، خلال الثمانينيات، وعزّزت التأسيس والمسيرة فنياً: “ليلى والذئب”- 1981- و”حبات النفتالين”- 1986- وكلاهما لعالية ممدوح، و”فجر يوم وحشي”- 1985- و”ممر إلى الليل”- 1988- وكلاهما لإبتسام عبدالله، و”عالم النساء الوحيدات”- 1985- و”من يرث الفردوس”- 1987- و”بذور النار”-  988 وجميعها للطفية الدليمي، و”لو
دامت الأفياء”- 1986- و”ذاكرة المدارات”- 1988- وكلاهما لناصرة السعدون، و”حبل السرة”- 1990- لسميرة المانع. أما الأهم الذي يُسجَّل لمسيرة الرواية النسوية في هذه المرحلة، فهو، كما أشرنا قبل قليل، ظهور روائيات مهمات كان بينهن اثنتان نعتبرهما أو- على الأقل- سيُمكن اعتبارهما سريعاً ضمن أهم أعلام السرد النسوي، بل العراقي عموماً، نعني بهما عالية ممدوح ولطفية الدليمي.
فضمن أعمال الأولى تبقى “حبات النفتالين”، برأينا، واحدة من أجمل وأنضج الروايات النسوية والعراقية عموماً. أما الثانية، فمع أنها كانت، ولا تزال، ذات حضور فني أكثر في القصة القصيرة منه في الرواية، فإنها بدأت أيضاَ مسيرة روائية غنية بروايتها القصيرة الأولى “عالم النساء الوحيدات”، ضمن مجموعة قصصية حملت العنوان ذاته، عام 1985، وعززتها بعمليها التاليين.
مع أهمية كل الذي تحقق للرواية النسوية حتى الآن، والذي اعتمد بشكل أساس على جهود فردية لبعض الكاتبات مثل سميرة المانع ولطفية الدليمي وعالية ممدوح
وناصرة السعدون، نعتقد أن العصر الذهبي الذي نرى أن الرواية النسوية العراقية تعيشه من بداية القرن الجديد حتى الآن، قد هيأتْ له حركة نشر روايات تخطّت نسبياً أن تكون فردية، كما اشتملت على بعض الأعمال المتميزة التي عزّزت هذا التخطّي. تعود هذه الحركة إلى النصف الثاني من العقد الأخير من القرن الماضي، وربما السنوات الممتدة من من سنة 1994 إلى سنة 2000. فلعل من أهم الروايات النسوية العشرين تقريباً التي صدرت خلال تلك المدة هي: “مطر أحمر مطر أسود”- 1994- لإبتسام عبدالله، و”زهرة الأنبياء”- 1994- لسالمة صالح، و”الولع”- 1995- لعالية ممدوح، و”العالم ناقصاً واحد”- 1996- لميسلون هادي، و”القامعون”- 1997- لسميرة المانع، و”كم بدت السماء قريبة”- 1999- لبتول الخضيري، و”النقطة الأبعد”- 2000- لدنى غازي،
و”الغلامة”- 2000- لعالية ممدوح. أما ما بعد هذه الفترة، فلم تخرج الرواية النسوية العراقية من أن تكون محاولات فردية فحسب، بل صارت ظاهرة حقيقية،
بعدد الروائيات، وبامتداد مسيراتهن، وبعدد الأعمال التي صارت تصدر كل عام، وبتميز غير قليل منها.

( 5 )
وهكذا انتقلت الرواية النسوية في العراق من الغياب أو الصمت خلال العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات، إلى المحاولات وربما الحضور الخجول والمتواضع
خلال الخمسينيات والستينيات، ثم إلى الحضور الفاعل إلى درجة لم يعد ممكناً معها لدارس الرواية العراقية أن يتجاوزها خلال السبعينيات والثمانينيات، وأخيراً إلى
الظاهرة بدءاً بمنتصف التسعينيات، وبشكل أكثر وضوحاً ببداية القرن الحالي وإلى الوقت الحاضر. وإذن، ونحن الآن في قلب الظاهرة، نحاول أن نضع اليد على ما
يؤيد ذلك، لا بتحليل ودراسة، بل بما يمكن أن يكون مفاتيح لمثل هكذا تحليل ودراسة، ونجمله بما يأتي: أولاً: زاد عدد الروايات والقصص الطويلة النسوية الصادرة خلال تاريخ الرواية العراقية 1919-2017 على المئتين شكّلت نسبة 13 بالمئة تقريباً من عدد الروايات والقصص الطويلة العراقية الصادرة خلال المدة المذكورة.
ثانياً: مع أننا يمكن أن نعدّ المدة الممتدة من سنة 2001 إلى الوقت الحاضر العصر الذهبي للرواية النسوية العراقية فإن بداية المرحلة، التي صارت بها
الرواية النسوية العراقية ظاهرة، تعود إلى منتصف التسيعينيات، كما رأينا. فمن خلال النظر إلى كلا الروائيات اللائي ظهرن من قبل وواصلن الكتابة خلال هذه
المرحلة، واللائي بدأن الكتابة خلالها، وقد زاد عددهن جميعاً على الستين روائية، نرى أنهن قد عزّزن الظاهرة بشكل قوي بما قدمنهن للرواية العراقية عدداً وفناً.
ثالثاً: قارب عدد الروايات النسوية التي صدرت خلال المرحلة الأخيرة، نعني 1994-2017، 180 رواية تشكل حوالي 17 بالمئة من العدد الكلي للروايات العراقية الصادرة خلالها. وهو عدد ليس هيناً مقارنة بأقل من ثلاثين رواية وقصة طويلة فقط صدرت للكاتبات العراقيات خلال أكثر من عشرين سنة سابقة (1972-1993) شكّلت المرحلة التي أسميناها مرحلة الحضور الفاعل، وقلّت نسبتها عن 10 بالمئة فقط من المجموع الكلي للروايات الصادرة خلالها. رابعاً: صار حضور الروائيات العراقيات بين كتّاب الرواية العراقيين فاعلاً بشكل ملفت لنظر الناقد، وكما يتمثل في أبرز الروائيات وأكثرهن حضوراً وكتابةً حالياً وهن: سميرة المانع، وعالية ممدوح، وإبتسام عبدالله، ولطفية الدليمي، وناصرة السعدون، وميسلون هادي، ودنى غالي (طالب)، وهدية حسين، وإنعام كجه جي. كما أن هذا الحضور قد تخطى الساحة القطرية إلى الساحة العربية، لا سيما من خلال ما حصلت عليه روائيات عراقيات من جوائز، وهن: عالية ممدوح، وميسلون هادي، وذكرى محمد نادر، وهدية حسين، وإنعام كجه جي، وحوراء النداوي، وناصرة السعدون.
خامساً: تعلّقاً بحجم إنتاج الروائيات العراقيات، والإنجاز الفني المتحقق فيه من جهة، وبدراسة أولئك الروائيات ورواياتهن، في العراق والوطن العربي عموماً من
جهة أخرى، ووفقاً لمتابعاتنا واستقراءاتنا، التي لا ندّعي أن تكون كاملة الدقة، نعتقد أن الروائيات العراقيات الأكثر حضوراً وتأثيراً في واقع الرواية العراقية هن:
سميرة المانع، وعالية ممدوح، ولطفية الدليمي، وميسلون هادي، وهدية حسين، وإنعام كجه جي، وإلى حد ما إبتسام عبدالله وناصرة السعدون، وبتول الخضيري،
ودنى غالي.
سادساً: يبقى أن نرى، في محاولة استشراف المستقبل القريب، وباستقراء السنوات الأخيرة، أن الرواية النسوية العراقية سيكون لها شأن أكثر مما لها الآن. هو
استشراف، مرة أخرى، يعتمد الاستقراء الخاص، وهو قد يتحقق تماماً كما نتوقع، وقد لا يتحقق بهذا الشكل، ولكن ما سيتحقق، في هذه الحالة، لن يكون بالتأكيد بعيداً
عنه كثيراً. نقول هذا كله اعتماداً على واقع الإنجازات التي تحققت في الكتابة الروائية النسوية، وتمثّلت في أن ما صار يصدر منها في السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة هو ما بين 12 و20 رواية نسوية سنوياً، وبما قد تتجاوز نسبتها 25 بالمئة، والجوائز التي نالتها الروائيات والروايات، والدراسات النقدية والأكاديمية التي قامت عليها أو تناولتها، والزخم الكبير الذي اضافته تلك الأسماء المعروفة في السنوات القليلة الأخيرة لمنجز الرواية العراقية داخل العراق وخارجه فضلاً عن الأسماء التي دخلت الساحة الروائية النسوية حديثاً، مثل دنى غالي، وكُليزار أنور، وحوراء النداوي، ونيران العبيدي وغيرهن. ونعتقد أن فهرست الرواية النسوية، الذي قامت عليه هذه المقالة/ الدراسة يُسند جل هذا الذي نذهب إليه أو جلّه على الأقل.

https://almadapaper.net/view.php?
cat=207396