تعيش الممثلة الفرنسية ايزابيل أدجاني اليوم “الوجه الآخر لها”، فهي بعد اطلالات رومنطيقية وعاطفية شغوفة وصاخبة: “قصة أديل.هـ”، و”كاميل كلوديل” و”الملكة مارغو”
وغيرها من الأفلام التي جسّدت فيها أدواراً صعبة ومعقّدة ومؤثرة، تميل الى الضحك والتسلية في مجموعة أفلام ارادتها على هذا النحو توافقاً مع أسلوب حياة جديد تطمح اليه،
وتضع فيه أحاسيسها المتطرفة جانباً لتنظر الى المستقبل نظرة مختلفة تضج بالحياة: بعد “يوم التنورة” الذي أظهرها بحلّة جديدة وطريفة وحازت عنه السيزار الخامس في
سجلها عن أفضل ممثلة، تطل في دور مؤثر مع زميلها جيرار دوبارديو في فيلم “ماموث” وقد سجل الفيلم حتى الآن مليون مشاهد في فرنسا وحدها.
تتوق إيزابيل ادجاني الى حياة جديدة والى حب جديد… تحدثت الى مجلة “لوفيغارو” في بوح مؤثر وقد نشرت “اعترافاتها” الخاصة قبل أيام وكان لها وقعها الكبير عبر أسرار
في حياتها الخاصة قررت أن تفشيها للمرة الأولى. ننقل مقاطع من هذه الاعترافات لأدجاني الى العربية.
تجرأت على هذا البوح “الوطني” على صفحاتكم: النساء القذرات يتمتعن بحياة أجمل. ندمي الكبير؟ لم يكن لديّ في حياتي عشّاق كفاية. أن تكون المرأة من نوع “امرأة
اللحظة”، أمر رائع. ولكنني عشت كل حياتي وأنا ألعب دور امرأة لحياة بكاملها. تلك المتمسكة برومنطيقيتها التي كنتُ في السابق على صورتها ركبت لها قدماً خشبية تركل
بها وتدخل مسلحة بها الى حياتها الجديدة. (تضحك) فكرة الإغراء أو الإغواء التي كانت تسلّيني، لطالما ظننت أنها غير موجودة سوى في التمثيل: الإغراء من خلال شخصية
تمثيلية أمر طبيعي، أما الإغراء في الحياة العادية، فذلك كان مرفوضاً من قبلي. وطوال حياتي، أربكتني فكرة ان يُنظر إليّ وكأنني مجرد هدف لفانتازيا جنسية: نسيت أن أتسلى
في حياتي بهذا الاطار الذي وُضعت فيه كما لم أعمل على الافادة منه. وثمة دائماً ما كان يمنعني عن ذلك، ممانعات تزحف صوبي وهي موروثة من الطفولة. كان والدي يقول:
“حين ينظر رجل اليك، اخفضي عينيك”. وإلا أكون في موضع تأجيج رغباته وبالتالي أصير أنا المذنبة.
بعدها، صارت “برانسيس دوكليف” رفيقتي الدائمة في فرصي المدرسية. (تضحك…).
“وصلت الى قمة القمة في علاجي”
في وقت ما، لا بأس، فهمت كل الأمور. ان نفهم من أجل أن نقبل. ولكن فهمنا للأشياء يعطينا المفاتيح فقط وليس بالضرورة الوصول الى وضع اليد على المقبض. وهذا انطلاقاً
من قناعتي الأخيرة بأن التحليل النفسي لم يعد الديانة الوحيدة او الالتزام الأحادي الاتجاه. فأنا يمكن أن أكون وثنية في بعض المواقف بمعنى أن أقبل تصرفات معينة اذا كانت
تخدم احدهم في مشاكل تلزمها الحلول السريعة.وأنا أعلن هذا بعد معاينة طويلة الأمد ومؤلمة ارتكزت على قوانين في حياتي جعلتني لا أناقش أي أمور تتعلق بما هو “ما فوق
الركبة”، كما يقال. من ناحية ثانية، لطالما أحببت أن أترك الجانب الروحاني في شخصيتي يأخذ مداه لأنه يشكل جزءاً كبيراً من شخصيتي.
جروح الروح
“ما قيمة الفنان من دون جروح الروح؟ مجرد سلعة…”. لم تكن طفولتي لا مسليّة ولا سهلة. والتربية العاطفية تبدو مؤلمة بالنسبة الى انسان تمت برمجته على المثال
الرومنطيقي. حين نكون في الرابعة عشرة ونكون من قراء راسين وشكسبير وموسيّه، فهذا لا يعني اننا نتحضر الى انفجار: بوم! (تضحك). وهذا لا يسمح مثلاً أن، أقبّل صبياً
بخفّة أو أن ألعب دور الإغراء الأنثوي من دون أن أركض بعدها بسرعة الى الكنيسة لأضيء شمعة وأطلب الغفران! منذ البداية، عرفت ان الأمور فاشلة: ولن تكون حياتي
صاخبة! ثم، نمضي حياتنا ونحن نحاول أن نشفى من طفولتنا ونحن بالمقابل نستمر في الإداء بأننا لسنا مرضى”.
غازلني وارن بيتي
“وارن بيتي غازلني ولاحقني لأقع في غرامه فترة عشر سنوات..”.غير انني لم أوجه نظري صوبه سوى في اليوم الذي وجدته فيه لابساً الأبيض وجالساً بالقرب من حوض
السباحة وكان يبدو شديد الحزن. كان مثل شخصية من شخصيات فيتزجيرالد. وحين اطلعني “غاتسبي” بأنه لم يعد يرغب في الاستمرار بحياة الـ”بلاي بوي” وانه ينوي
الزواج، خارت قواي أمامه. يا للرجل الحزين من فرط ما دلّلته الحياة ومن فرط ما دلّلته النساء. (تضحك). تأثرت كثيراً برغبته في التوبة. كل هذا جعلني أتوقف أمامه مع انني
لم أتوقف يوماً أمام رجل من صنف الغاوين. واكتشفت انساناً عميقاً بقوة: وهنا أعترف بأن النساء قد يتوفقن بسرعة اذا ما وجدن رجالاً يقررون تغيير نمط حياتهم ليكونوا
أزواجاً مخلصين وآباءً صالحين. وكان هذا وضعه. كان يرغب بالحصول على أولاد والاحساس بالأبوّة. فأجابته بالنفي ورفضت اذا جاز التعبير.ثم، رفضت الاشتراك تمثيلاً
معه في “ديك ترايسي” ما سمح له الالتقاء بمادونا ومن ثمّ بآنيت بينينغ التي مشت معه في المشروع. لنقل انني كنت ضيفة التشريفات التي قادته الى الزواج من أخرى…
“كان يمكن أن عيش في كاليفورنيا لكن هذا كان سيجعلني من دون لون”. “كان ثمة احترام دائم لصورتي منذ اليوم الذي مثلت فيه دوري في “قصة آديل هـ.”. لفرانسوا تروفو
وترشيحي لجائزة الأوسكار عنه للمرة الأولى. مع وارن بيتي كنت أمضي فترة خاصة جداً. وكان ذلك قبل “الانفجار” في الصحف اليومية.عشت في منزله الأبيض الكبير في
تلال هوليوود، وتحديداً في مولهولند درايف”. وكان يطلق عليّ لقب “المرأة غير المدّعية” لأنني كنتُ ارفض أن أمضي حياتي في الليموزين وفي تلبية الدعوات الى الحفلات
الرسمية والخاصة. وحين كان يأتي شين بين مع مادونا الى العشاء، كنتُ اختلق عذراً لأبقى في غرفتي وأمضي الوقت في القراءة. كنت فعلاً شبيهة بالمسجونة! وكان الأمر في
غاية العبثية. (تضحك).
من ناحية ثانية، أعتقد بأن وارن بيتي انسان ذكي بشدة. وكان يمكن أن يدير بلداً. وكانت قد تشكلت لديه فكرة أو قناعة معينة بخصوصي: وهي انه كان يراني بقوة بطلة
لكوميديات عاطفية هوليودية تجعلني مثالاً “رومنطيقياً” ليحتذى به في هوليوود.
أما أنا، فلم أكن أوافقه الرأي ولم أكن جاهزة تماماً لذلك وكنت بدأت أشعر بالحنين لوطني. ثم هربت الى فرنسا لألعب دوري في “كاميل كلوديل”، الدور الذي قدمه لي المخرج
برونو نيوتن الذي صار بعد حين والد ابني الأول بارنابيه”.
“أنا مجرد مغامرة لم تلحق بمارلون براندو…”.
كنت في العشرين، وكنت مقيمة في قصر مارمون، في هوليوود. وكان اللقاء الهائل: التقيت بولدٍ فتيّ وكان يتسكّع في الأمكنة وراح يصطحبني الى المطاعم المكسيكية ويضع
القبعات على رأسه ليجلعني أضحك. كان يتمتع بروح طفولية، وكان مسلياً ممازحاً حيناً ومعارضاً وهائلاً حيناً آخر. وكان دوماً يخضعني لامتحانات متنوعة ليعرف قدراتي.
وكنتُ فتاة واضحة ولكن كنتُ أفتقد الجرأة والوضوح.
وأخيراً تجرأ وقال لي: سأمر يوم غد وآخذك معي الى نتياوورا، جزيرته الخاصة في جنوب المحيط الهادئ. كانت تلك الدعوة بمثابة الاختبار لي، وكانت من تلك الدعوات التي
نفهم حالاً بأنها قد تغير مجرى حياتك.
كان براندو يرشدني ولكن يا للجرأة في طلبه الذي كان سيدخلني في التحدي الأكبر: هل تجرؤين على اللحاق بي؟ مضيت ليلتي بكاملها وأنا ساهرة، مرعوبة وأفكر. هل يمكن
أن اصير المغامِرة التي ليست في طبيعتي؟ في الصباح الباكر، كان ينتظرني في صالون الفندق. لم أنزل ولم أره منذ ذلك الحين. وكان يتوقع رفضي لذا ترك لي كيساً
مصنوعاً من الحرير الأسود وفي داخله نظارة بمقبض مزين بمشهد غرامي وبجانبها رصاصة مسدس، ومعه كلمة مختصرة جاء فيها: “اقتلي نرجستكِ”. احتفظت بهذا الغرض
طوال سنوات قبل أن أهديه الى شين بين، الذي كان صديقاً لبراندو ومعجباً به الى حد كبير وقد أصابه الذهول حين لمس هذا الكنز الصغير..”.
كان يجب أن أتزوج في 12 حزيران المقبل في مدينة سيفيي”.
“كان قد تم حجز آسياندا بينازوزا. وكنت ظننت بأنني أنا وماري دروكير كنا سنبيع أخيراً كل خواتم الخطوبة في مزاد علني! وأخيراً أنا التي قلت نعم… (تضحك). كانت
طبيبتي النفسية تقول لي دائماً: “كيف تتوصلين الى هذا التحليل الدقيق لكل النصوص التي تتعاملين معها، وتؤدين أدوارك بهذه الدقة وأنت غير قادرة على رؤية أي شيء في
حياتك؟ ومع هذا، أظن بأنني حين ألتقي رجلاً أفهمه بعد ثلاث ثوانٍ، أما في الثانية الرابعة، فنبدأ بالكذب على أنفسنا. هذا الأمر يتكرر معي في كل مرة: أعرف كل شيء منذ
اللقاء الأول، وبسرعة ولكنني لا أرغب في أن أعرف. وإلا، فلا قصة جديدة تبدأ معنا. لكن الرغبة في أن نعثر على أحدهم وفي أن يعثر أحدهم علينا هي الأساس وهي الأقوى.
ثم انني أقتنع بأن حياة الثنائي ضرورية للممثلة. فهذه المهنة ترسل لكم دوماً الرسائل غير المطمئنة الى درجة بأننا نرغب بأن يكون أحدهم الى جانبنا لحمايتنا ومساعدتنا
وطمأنتنا. وأعتقد أنه يجب التوقف عند هذه الجملة من ساغان: “أن يكون أحد يحبك، يعني انه يريد لك الخير”. أنا امرأة شغوفة وأحب بشغف، لكن شدة الشغف تجعلني أفقد
صوابي واخسر وقتي كما أخسر نشاطي ومالي. جربت المنطق والعقل: لكنهما لا يناسبانني على الاطلاق، وأطرح السؤال: والآن، ماذا سأفعل؟ (تضحك).
الموت من الحب؟
مع دانيال داي لويس، تقاسمنا أنا وهو نفس الشعور بالخوف أمام الصورة، حين كان العرض في السينما أو في المسرح يشبه الواقع بشدة. ومع هذا، هو ايضاً ربما وقع أولاً في
غرام كاميل كلوديل؟ كان ذلك بعد العرض الأول بالانكليزية للفيلم، عدت الى غرفتي في “كلاريدج” في لندن حين تلقيت رسالة منه جاء فيها: “أهلاً بك في هذا البلد البائس”.
ما الشيء الذي يفوق لذة بأن نتعاطى مع أشخاص لا نسيطر على أنفسنا أمامهم؟ وأعطيت هذه القصة تابعاً. وهذا ما حصل. وتساءلت: هل هو رجل حياتي؟ لقد حصلت على
ولدين من رجلين أحببتهما، وهذا الأمر يفرحني. انه أمر رائع بأن نقول لولدنا بأنه ولد من شخصين تحابا بقوة. مع دانيال داي لويس، كان هناك ما يشبه الانبهار في الحب. لكن
ثمة مقولة مفادها انه من المستحيل ان تعيش نجمتان تحت سماء واحدة. ثم، لا يمكن ان نعيش حياتنا مع الرجل الذي أحببناه بقوة أو مع أكبر حب في حياتنا: هذا الأمر، أنا أكيدة
منه. وحين افترقنا، بقيت وحيدة الى حد لا يوصف… صرت أرملة. (صمت).
أعتقد بأنه يصعب عليّ البوح والاعتراف بهذا الأمر. ثمة جملة مكتوبة في منزلي وهي محفورة فوق مرآة، جاء فيها: “الموت من أجل الحب أمر رائع، لكنه غباء أيضاً”.
تعظيم الحب أو هيجانه لا يغذي: انه يذوب مثل السكر السريع… (تضحك).
“كان يجب أن أكون جاكي.أ!”
ان أتزوج رجلاً مقتدراً أو رجل سلطة، وهنا يجب أن يتفوق القرار أو الارادة على الشعور، نأخذ القرار بالزواج من ملياردير ثم قد يأتي الشعور أو قد لا يأتي. بالتأكيد، لطالما
فضلت شخصياً أن أمشي في الطريق المعاكس، وليس جاكي.أ. فهي أخذت القرار مسبقاً وهذا ما يحصل أيضاً في الأسطورة، بحيث يمكن ترتيب كل شيء مسبقاً. أنا، صورة
عن كل ما رسمه لي قدري وليس عن تصميمي وارادتي. قد تقولون لي بأن هذا الأمر قد يجعلني فخورة. ولكن هذا لا يلغي بأنني حتى الآن لا أمتلك فندقاً خاصاً بي… (
تضحك). لم ارغب يوماً في اعتبار ان المال قد يشكل مشكلة لي. ولم أعمل يوماً من أجل المال، ولكن من دون شك لم أتجاهله لأنني من عائلة افتقدت كثيراً الى المال لكنني لا
أعطيه أهمية فائقة”.
“أنا أتقن السباحة في الرمال المتحركة” لطالما تمتعت بهذه الصفة، بأن أسبح عكس التيار وأتخطى القوة التي يمكن أن تشل حركتي. وقد تكون هذه أهم صفة لدي. لقد أمضيت
مؤخراً سنة رهيبة لكنني لا أريد أن أعود اليها سوى لأضحك. فلست من النوع الذي قد يتبرّم في الرماد. وأحب أن أكتشف دوماً ساحات جديدة حيث قد أضع مثلاً مفهوم السعادة
في خانات اللذة والراحة المادية والصحية… يبدو ان الحياة لا تمتلك شبيهاً لها لتقدمه لنا ولإسعادنا من جديد..”.
المستقبل – الثلاثاء 1 حزيران 2010 – العدد 3668 – ثقافة و فنون