الأجنبية‮:‬ بيوت الذات‮ ‬

حسين حمودة
‮ ‬تستشكف هذه الرواية مساحة إبداعية جديدة فيما‮ ‬يسمي‮ “‬الرواية السيرـ ذاتية‮”. ‬يتحرك عالمها،‮ ‬حركة
رحبة،‮ ‬بين التخييل الروائي،‮ ‬من جهة،‮ ‬والاحتفاء بالوقائع المرجعية المقرونة بأسماء معروفة بأعيانها،‮ ‬وأماكن
وتواريخ بعينها،‮ ‬من جهة أخري‮. ‬وفي هذه المساحة‮ ‬يرصد صوت الساردة،‮ ‬الموصول بصوت المؤلفة،‮ ‬
والمرتبط بنبرة من نبرات البوح،‮ ‬والحاضر عبر الفصول المعنونة بالرواية جميعا‮.. ‬يرصد تجارب عدة
تتصل بقضايا المرأة العربية،‮ ‬في علاقتها بعالمها القريب الأول ـ المتجسد هنا داخل العراق ـ‮ ‬وفي علاقتها
المغتربة بعوالم أخري‮ “‬أجنبية‮” ‬ـ ولنلاحظ عنوان الرواية ـ خصوصا بباريس ثم بنيويورك،‮ ‬وهي علاقة
شائكة ومركبة لا تخلو من مكابدات تصوغها النظرة المستريبة ـ التي تصاعدت في فترة تاريخية بعينها ـ إلي‮ “‬
الأجانب‮” ‬من العرب بوجه خاص‮.‬
القضايا التي تجسدها هذه الرواية،‮ ‬بصياغة إبداعية خاصة،‮ ‬هي قضايا تمثل مسيرة من التجارب عبر رحلة
ممتدة،‮ ‬وخلال‮ “‬بيوت‮” ‬شتي،‮ ‬ابتداء من البيت الأول في الوطن الذي تناءي ويتناءي،‮ ‬وانتهاء بالبيت
الأخير في بلد‮ ‬غريب،‮ ‬ومرورا ببيوت كثيرة،‮ ‬حقيقية ومجازية‮.‬
من هذه التجارب ما‮ ‬يرتبط بـ”بيت الجحيم”؛ بالعلاقة بالأب،‮ ‬وبالأهل،‮ ‬وبخطر الشوارع،‮ ‬وبالعلاقة بالجسد
وبالوطن الذي‮ ‬يتفكك،‮ ‬وبالقراءات الأولي التي سوف تقود إلي عوالم جديدة،‮ ‬وبالكتابة،‮ ‬وبالإبداع،‮ ‬
وبالمشاركات الثقافية،‮ ‬وبالسفر وبتعلّم لغة أخري ومحاولة سكني هذه اللغة كبيت،‮ ‬وباستكشاف عالم‮ “‬
المقتلعين‮” ‬في مدينة باريس،‮ ‬وبأخبار‮ “‬الاحتلال الأمريكي للعراق‮”‬،‮ ‬وبتجارب الصداقة،‮ ‬والمرض،‮ ‬
والزواج،‮ ‬وبالطلاق وتبعاته‮ (‬ومنها التهديد بالزج في بيت آخر،‮ ‬هو‮ “‬بيت الطاعة‮”)‬،‮ ‬وبالاسم الذي قد‮ ‬
يمثل هوية كما قد‮ ‬يمثل نوعا من‮ “‬المعتقل‮” ‬المتنقل،‮ ‬وبحرية المرأة في عالم لا‮ ‬يتيح لها مساحة كبيرة من
الحرية،‮ ‬وبكيفيات تمرير الأوراق الرسمية عبر مطارات مستريبة،‮ ‬وبالأوجاع والمسرات الغرامية الخائبة في
أغلب الأحيان،‮ ‬وبالمخاوف التي تظل ملازمة في كل مكان،‮ ‬وأخيرا بتجربة الحرب،‮ ‬و”خبرة الألم والتهديد
بالفقد‮”.‬
عبر هذه التجارب المتنوعة،‮ ‬التي‮ ‬يطل الألم كثيرا من ثناياها،‮ ‬تنبني هذه الرواية علي الاهتمام بخيوط محورية
تربط بين فصولها،‮ ‬وتحول دون ترهلها‮. ‬يتمثل أحد هذه الخيوط في الحضور الماثل طول الوقت للعالم الداخلي
للساردة التي تقص تجاربها وتجارب من حولها،‮ ‬ويتمثل خيط ثان في مساحات التأمل في تجربة الكتابة والإبداع،‮
‬التي تلوح تجربة أساسية في عالم هذه الرواية،‮ ‬وعالم كاتبتها،‮ ‬عالية ممدوح نفسها،‮ ‬علي حد سواء،‮ ‬ويتمثل
خيط ثالث في استخدام مفردة‮ “‬البيت‮” ‬ـ بالمعني الحرفي وبالمعني المجازي،‮ ‬معا ـ كمدخل أساسي‮ ‬يمكن من
خلاله الإطلال علي عوالم شتي،‮ ‬تتحرك بين دلالات متنوعة‮ (‬بيت الجحيم،‮ ‬بيت الطاعة،‮ “‬بيت اللسان‮”‬،‮
‬بيوت الآلات،‮ ‬البيوت الإليكترونية عبر وسائط الاتصال الحديثة،‮ ‬بيوت المرض،‮ ‬بيت الموت‮..‬إلخ‮) ‬وهذا
الخيط الأخير‮ ‬يجسد بصياغة فنية مهمة كيف‮ ‬يمكن أن تتعدد البيوت وأن تتنوع،‮ ‬وكيف‮ ‬يمكن أن تكون مرحّبة
أو طاردة،‮ ‬كيف‮ ‬يمكن أن تتحول تحولات شتي،‮ ‬بعضها‮ ‬يفقدها معناها الأول ويتجه بها وجهات جديدة‮.‬

http://www.dar.akhbarelyom.com/issuse/detailze.asp?
mag=a&field=news&id=8514