بدعوة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة البلمند، يحلّ الكاتب الجزائري رشيد بوجدرة ضيفاً، إذ يقام، السادسة من مساء اليوم الثلاثاء، في فندق البريستول، حوار
مفتوح معه، يديره جورج دورليان، كما تقام حلقة دراسية حول أعماله (بالعربية والفرنسية)، نهار الخميس المقبل (بدءاً من العاشرة صباحاً) في قاعة فارس في البلمند،
يشارك فيها مصباح الصمد (الهوية ومراياها في أعمال بوجدرة الروائية)، ليليان سويدان (هدم السلطة وسلطة الهدم في رواية «المرث» لبوجدرة) وإسكندر حبش (
الخزف الجزائري، رشيد بوجدرة مثالا في رواياته المكتوبة بالعربية) وسامي سويدان (قراءة لرواية «التفكك») وسوسن الأيوبي («الحلزون العنيد» لبوجدرة:
مخطط لولبي للهوية العاطفية) وليلى الأحمد (حرية الكلمة وسلطتها في رواية «الجنازة»)، ويديرها شارل ديك.
كذلك سوف يكون بوجدرة ضيف «بيت القصيد»، البرنامج الذي يعده ويقدمه الزميل والشاعر زاهي وهبي على قناة «الميادين».
حول هذا البرنامج الحافل وبعض القضايا الأخرى، هذا اللقاء.
أنت الآن في بيروت، إذ تقيم جامعة البلمند ندوة حول أعمالك، ماذا يعني لك هذا الأمر؟
^ تشكل هذه الندوة حدثاً كبيراً، وأشعر بالفخر من جرائها، لأنها المرّة الأولى التي تقام في «المشرق» ندوة دراسية أكاديمية حول أعمالي وبحضوري، وبخاصة أن مثل
هذه الندوات أقيمت في العديد من جامعات العالم.
عدا هذه الندوة، هناك حوار مفتوح معك، ما هي القضايا التي ستثيرها في هذا الحوار؟ ^ كفنان، سأركز أولاً على الإبداع وعلى الكتابة الروائية والشعرية، كما على باقي الفنون الأخرى. وثانياً على حتمية تثوير المجتمعات العربية بعمق، لأنها ما زالت راكدة، وبخاصة أنها مهددة من قبل الإسلامويين. هذان هما المحوران الكبيران والأساسيان اللذان سأتحدث عنهما، ولا شك في أن الحوار المفتوح هو الأساس ويضيف أفكاراً أخرى.
هل يزداد هذا «الفخر»، كما قلت، بكونها جامعة في لبنان؟ أما زال هذا البلد يعني لك، بخاصة أنك أطللت كثيرا من خلال أدبك والسينما على هذه المدينة؟
^ طبعاً، عندي حنان وحنين لهذا البلد الذي زرته للمرة الأولى العام 1970 وأقمت فيه مدة طويلة آنذاك. عدت وزرت بيروت لمرات أخرى عديدة، وبخاصة أن
سيناريو «نهلة» الذي أخرجه فاروق بلوفة قد صُور هنا في هذه المدينة. سعيد جداً بعودتي إلى بيروت، فمن الناحية الذاتية لأنها مدينة أعشقها، ومن الناحية العملية أنا
مسرور بهذا البرنامج الكبير والهام الذي سيلقي ضوءاً جديداً على أعمالي التي صار عمرها خمسين سنة. ولا تنسَ أن عدداً من رواياتي نشر أولا في دار ابن رشد، بخاصة
تلك التي كتبت بالعربية أصلا، وفيما بعد استعادت دار الفارابي طباعة بعض العناوين. للآسف، إن هذا المشوار مع دار الفارابي توقف فجأة.
هل من أسباب لذلك؟
^ صراحة، لا أعرف. أعتقد أن صعوبة الاتصال بيننا قد حالت دون ذلك. في أي حال أعمالي العربية تطبع اليوم عند منشورات «البرزخ» في الجزائر العاصمة،
وربما هذا الأمر قد يسبب عائقاً أمام نشر أعمالي في لبنان.
لماذا الكتابة بلغتين، وكيف كان القرار بالكتابة بالعربية لبعض أعمالك الروائية؟
^ في الحقيقة، هي قضية تاريخية مرتبطة بعدم المقروئية بالعربية بالجزائر، في بداية السبعينيات وكذلك وجود رقابة سياسية وأخلاقية رهيبة، لذا قررت الكتابة بالفرنسية
وبكل وضوح، بالرغم من رغبتي وحنيني إلى الكتابة بالعربية. ثم تطورت الأمور وعدت إلى الجزائر بعد مرور خمس سنوات في المهجر الفرنسي، وبعد صدور ست
روايات بالفرنسية، وبعد عودتي إلى الجزائر سنة 1975 لكتابة سيناريو «وقائع سنوات الجمر»، استقررت في الجزائر ووجدت أن المقروئية بالعربية قد أصبحت
أكبر. في تلك الفترة أيضاً وجدت مناخاً وجواً يملك الكثير من الحيوية فكتبت روايتي الأولى بالعربية «التفكك»، وهي أضخم رواية من ناحية الكم، وكذلك لعلها أحسن
رواية من ناحية الكيف والجودة.
عشت متخفياً
كلامك هذا يجعلني أتساءل، هل يستطيع الكاتب أن يميز ويفاضل بين أعماله؟
^ في الحقيقة لا يستطيع. لدى الكاتب دائماً نظرة أو منظور ذاتي، وبالرغم من هذا أشعر بأن هذه الرواية هي كذلك، ربما لأنني كتبتها بالعربية وبحماس كبير، من خلال
عودة النص إلى لغته الأصلية. ثم جاءت روايات أخرى وكانت كلها ضخمة في الكم، وشعرت بأنني اجتحت اللغة واجتحت المجتمع العربي بطريقة أحسن مما فعلته من قبل باللغة الفرنسية. لأن العربية بالنسبة إليّ، لغة شبق ولغة حس، الشيء الذي لا نجده بطريقة واضحة في اللغة الفرنسية.
خلال السنوات السود التي عرفتها الجزائر، كنت مضطراً للتواري، وكنت ضد المصالحة. اليوم، كيف تجد وضع الجزائر الراهن؟ وهل تخشى عودة تلك السنوات من
جديد؟
^ عشت متوارياً ومتخفياً بسرية مطلقة، وغيرت شكلي الخارجي، إذ وضعت شعراً مستعاراً وتركت لحيتي تطول، واستمر ذلك لمدة سبع سنوات. السنة الثامنة من تاريخ الإرهاب الإسلامي كانت «أهون» من السنوات الأخرى، لذلك تخليت عن هذه السرية والاختفاء.
ما زلت لغاية اليوم ضد المصالحة، إذ كيف تتصالح مع سفاحين وقتلة الأطفال والنساء، خصوصاً أن غالبية الضحايا قتلوا ذبحاً وتحت التعذيب الرهيب. في أي حال، وبدون تفاؤل أحمق ومبالغ فيه، لا أخشى عودة تلك السنوات، لأن تجربة استعمال العنف عند الإسلاميين في الجزائر فشلت فشلاً ذريعاً بعد أن سُحقوا عسكرياً.
لكننا نشهد اليوم أموراً مماثلة في مدن عربية أخرى، كيف تنظر إلى ما يسمى «الربيع العربي»؟ ^ أولا هذه التسمية جاءت من الصحافة الغربية التي أتت بهذا العنوان. ثانياً بالنسبة إليّ هذه الثورة لم تكن ثورة، بل هي ثورة ضد «العلمانية» وضد حرية المرأة، وما حصلت عليه من مكتسبات كما في مصر وتونس، حيث استلم الإسلاميون زمام الأمور، وأصبحوا يحكمون ويسيّرون هذه البلدان، وفي الوقت عينه خسر الشباب الثوري الحقيقي معركتهم. كل حزب إسلامي لديه منظومة واحدة: الهوس بتعويض الدستور بالشريعة، وهذا ما حققته اليوم هذه الفئات الإسلامية في كل هذه البلدان، حيث حدثت « الثورة الربيعية».
إزاء هذا الأمر، ما واجب المثقف والكاتب اليوم؟ ^ بالنسبة إليّ، هناك الآن ثلاثة واجبات: الأول بلورة الفكر السياسي بالنسبة إلى هذه الإشكالية، ما ألاحظه أن المثقفين العرب ما زالوا منقسمين ومنشطرين حول هذا المضمون الاسلاموي. ثانياً، الصمود، على المثقف أن يصمد تجاه هذه النزعات التي أجدها رجعية. وثالثاً تحريك الفكر التقدمي واليساري الذي تقهقر كثيرا في العالم العربي بعد أن كان يحمل كل الآمال والتطلعات.
كثيرا ما كتبت وصرحت مؤخراً أنك لا تزال شيوعياً. أي دور يمكن أن تلعبه الشيوعية بعد، برأيك؟ ^ الشيوعية بالنسبة إليّ هي قبل أي شيء العدالة الاجتماعية بين الناس، ثم نشر الثقافة والفنون عند كل الفئات، ثم هي فتح الأبواب أمام الأفكار التقدمية التي تساعد الإنسان على التحكم في مصيره، خصوصاً المرأة.
أعرف أنك أنهيت كتابة رواية جديدة، أهي بالعربية أم بالفرنسية؟ هل يمكن أن نعرف عنها شيئاً؟ ^ ستصدر في أيلول (سبتمبر) المقبل باللغتين وفي اليوم عينه، بالعربية عن «منشورات البرزخ»، وبالفرنسية عن «غراسيه»، وعنوانها «زكام ربيعي»، ومثلما يدل العنوان، هي قراءة خاصة وذاتية في هذا الواقع السياسي الجديد الذي سيطر على غالبية البلدان العربية.
أجرى الحوار:
اسكندر حبش
السفير 14/05/2013 العدد: 12477