بعد أن حصدت أليس مونرو معظم الجوائز الأدبية المرموقة في كندا ولأكثر من مرة، وبعد أن أضافت نتاجاً قصصياً متميزاً للقارئ في كندا والعالم، حصلت مؤخراً على جائزة
«مان بوكر انترناسيونال برايز» وذلك احتفاء بصنيعها الإبداعي المتميز والمتواصل حتى اليوم. ويذكر أن الكاتبة حازت على اهتمام النقاد وإعجاب القراء منذ صدور كتابها
الأول عام 1968، أي منذ حوالي نصف قرن من الكتابة. تقول الكاتبة في حوار معها، بأنها بدأت الكتابة منذ كانت في الحادية عشرة، وكانت دائما تحلم بأن تصبح كاتبة «
ولم تفلح في حياتها في أي
مهنة أخرى، رغم أنها اشتغلت مع زوجها في إدارة مكتبة لبيع الكتب» مونرو بوك ستور» في بريتش كولومبيا. حضور مونرو في المهرجانات وتحت الأضواء قليل جداً
كما يلاحظ عشاق أدبها الذين يترقبون أي مناسبة تشارك فيها مونرو التي صارت تنسحب أكثر إلى عالمها وبيتها مع التقدم في السن(77 عاما).
القاصة مونرو لم تكتب رواية ولم تكتب شعراً وأكتفت بهذا الصنف من الكتابة إلى جانب بعض كتب السيرة الذاتية التي تبحث في تاريخ العائلة وحياة الكاتبة في كندا
وخارجها. يحتفي بها القراء حول العالم وتنشر قصصها منذ أمد طويل في أهم الصحف الأميركية والأنكليزية والكندية. بالمقابل يحتفي بها أعلام من رواد الأدب الكندي. نحتار
هذه المقالات التي تسلط الضوء على أدب أليس مونرو. مارغريت أتوود تحتفي بأليس مونرو(نشر المقال عام 2006) كانت الخمسينات مرحلة صعبة للنساء الكاتبات في
الولايات المتحدة الأمريكية. أمريكا، لم يكن من تقاليدها الاهتمام بالمرأة الكاتبة.
من من الكاتبات كان يحتفى بها؟ « أيدورا ويلتي، كاثرين آنّ بورتر» . ومَنْ من الشاعرات؟ ايميلي ديكنسون. أما عن كندا، فلم يكن هناك أي تقدير للمرأة كإمرأة
بالدرجة الأولى. كان التحدي الذي تواجهه كندا، يقع بين أن تكوني امرأة، أو أن تكوني» كندية». التطريز، الرسم بالزيت، الكتابة.. كانت كلها تعتبر هواية. الكتابة لم تكن
مهمة. لم يكن هناك سوق لروايات جديدة. الساحة الأدبية هنا كانت صغيرة جداً. بسبب وجود بعض المجلات القليلة كان الشعراء يعرفون أعمال بعضهم البعض، لكن الأمر كان
أصعب بالنسبة لكتّاب النثر. عندما كنا نكبر، كانت غريبة فكرة أن تكون كاتباً(ة). مجرد أن تفكر بأنك تستطيع أن تكون، كان ذلك مدعاة للغرور، ومبالغة في الاعتداد بالنفس.
أيضاً كانت المواهب تقمع. وبالطبع أليس قرأت «لوسي مونتغمري» وكتبها «أنّ المراعي الخضراء، وايميلي القمر الجديد» حيث كانت حينها شابة صغيرة تعيش في «
ادوارد ايلاند» وقد كتبت فيما بعد مقدمة لذلك الكتاب. كذلك تأثرت أليس مونروا ب«مرتفعات وذرينغ، وكتابات جين اوستن…وكذلك تأثرت بكتّاب القصص التي تحدث في
المدن الصغيرة. لقد قرأت أليس كتابات « شيروود اندرسون» الذي جعلها تشعر بأنها تستطيع أن تفعل الشيء عينه. ولا بد أنها قرأت ايدورا ويتلي، فلانري او ـ كونر،
كارسون ماك ـ كولار. حيث كانت تعيش هي في ضواحي أونتاريو الجنوبية. لماذا يتواجد المجانين بكثرة في تلك البقاع؟ ذلك أن كل فرد يعرف الآخر وخلفيته. كحال عائلة
كبيرة متفككة. وهو الحال ذاته في المدن الكبيرة لكنك لا تعرف ما يكفي عن ذلك، لأنك لا تعرف شيئاً عمن يقيم في الشارع أو في البيت المقابل. في المدن الصغيرة، الناس على
استعداد للثرثرة، لإطلاق الإشاعات، ويختلف ذلك باختلاف مستوى الحالة الاجتماعية. ولذلك تقع قصص أليس في مكان وزمان محدد بدقة.
ماذا يأكل الناس، ماذا يلبسون، ما الأدوات التي يستخدمونها، هل هذه الأمور مهمة بالنسبة لها، وتثير أسئلة حول الأصالة. أليس تراقب شخصياتها مقدما وافتراضيا، وتنظر إلى
الشيء أو الهدف الذي تحاول الشخصية أن تصل إليه. ثم تتفحص ما يقع تحت طيات ذلك. ربما الشخصيات تتعارك فيما بينها، ولذلك يكون هناك كمّ من الكذب الاجتماعي
كقولنا «تبدين رائعة اليوم» فيما يكون المعنى الضمني معاكساً. أنها تكتب عن الصعوبات التي تواجه الشخوص الذي يعتقدون انهم أكبر أو أصغر مما هم حقيقة. عندما ينظر
أبطالها إلى الوراء، ومن زاوية نظر جديدة، وكلما تقدموا في العمر، يبقون حاملين معهم كل المراحل التي عايشوها. إنها جيدة في تحقيق توقعات الآخرين، ثم في خذلانها. ومن
النقاط التي تجيدها مونرو بإتقان، أنها تستطيع أن تقيم مفارقة حول كيف يتصرف الناس في حالة ما، مقارنة مع النتائج المترتبة على ذلك الفعل. توقعاتنا تكون محدودة. نعرف
أن الشمس ستشرق في الصباح، والسيد «براون» سيكون في دكانه في الثامنة صباحاً ويبيع الحليب. في قصص مونرو، يذهب الشخص إلى البيت فيكتشف أن فرداً قد قتل.
كل التوقعات المحتملة ممكنة الحدوث. ثم هناك حدث ما، مفاجأة تكشف الحدث، وهناك تكون القصة. (نشر عام 2006) أليس مونرو بقلم تيد غينويز أليس مونرو كاتبة تقوم
بالتنقيح لحد مثالي. قصتها التي بعنوان»البيت» نشرت في أميركا ولكنها ظلت تشتغل عليها ثلاثين عاماً. القصة ظهرت أولاً في أميركا عام 74. بناء القصة يرهق مونرو
دائماً. هذه القصة لم تضمها في مجموعتها القصصة حينذاك.
وبقيت تعيد كتابتها إلى أن وجدت لها الصيغة المناسبة. ورغم ذلك وبعد أن أرسلت القصة أخيرا «في ـ كيو.ار» عادت للتنقيح وإجراء تحسينات وتغييرات. ارسلتها قائلة «
انها بالتأكيد النسخة النهائية والأخيرة» . تعترف أليس مونروا بأنها «كاتبة صعبة كالكابوس حين يتعلق الأمر بتفاصيل القصة وصيغتها النهائية. ومصابة بنفس القلق تجاه
تفاصيل القصة بشكل عام وهذا ما جعل منها هذه القاصة المتفردة. أنها مخلصة بشدة لوجهة نظرها ورؤيتها للواقعية، ولا يمكن استعجالها ببساطة. وباعتقادي أننا نوافق على
أن نتيجة الانتظار تكون جيدة. وكي تصبح القصة جاهزة للصدور، نعرضها على المتابعة لأشغالها «مارسيلا مالدس»، ثم تمر على عدسات الكندي البيوغرافي « روبرت
تاكر، وعدد من المهتمين، تحقق من قبل ليزا ديكلر، وتقدم من قبل أكثر الأصدقاء معرفة بأليس مونرو. كل هذه الأشياء معاً تقدم نكهة خاصة من حياة مونرو وإنجازها. ولكن لا
شيء يمكن أن يضعها في موقعها الصحيح عدا سردها الذي لا مثيل له. (نشر عام 2006).
المستقبل – الاحد 7 حزيران 2009 – العدد