عالية ممدوح
1
نبهني ولدي لمشاهدة هذا الفيلم الذي يُعرض اليوم من على جميع شاشات العالم الفايسبوك ، قائلا بصوت حيوي :
أنت لا تفضلين هذه الشبكة الاجتماعية . لقد دعوتك مرات عدة ومع أصدقاء لك ، لكنك كنت ترفضين الدخول معنا وباصرار . حسنا ، أذهبي وشاهدي الفيلم ، سترين ان ما يقارب من نصف مليار من البشر بمقدورهم ان يكونوا ممثلين ، نعم ، يقدر أحدنا ان يضع خطة ما ، خططا ، ويجتهد لكي يسمع للآخر ، أو يصغي إليه الآخر في محادثة عادية ولطيفة .. و. في خطتي الأسبوعية لمشاهدة ما تعرضه الصالات عبر النت ، وضعتُ إشارة لهذا الفيلم بالذات ، فالمخرج الأمريكي ديفيد فينشر له لغة ورؤية تحمل الكثير من عتمة وتشاؤم نظرته النافذة للثقافة الأمريكية . شاهدت له من قبل زودياك 2007 حين كان اللون الأسود يطوق وقائع الحياة في مجتمع تندمج فيه الجريمة بالرفاهية بالإفلاس الذي يأخذ إلى العلل النفسية والعصبية داخل النسيج الاجتماعي، و { نادي القتال مع براد بيت الخ . تسليع أي شيء يخطر على البال ، بدءاً من الكلام البشري ، أداة التواصل الإنساني ، وانتهاء بالقتل اليومي في بقاع المعمورة ، وفي الغالب الأعم تبدو الأمور، والأشياء ممكنة في تلك الولايات المتحدة الأمريكية ، فكل شيء يؤدي بشكل يمكن الحصول عليه ، وبالتالي يمكن تصديقه .
2
في شريطنا هذا ، شاب ذكي لكن جاذبيته شحيحة أمام الفتيات ، فتاته بالدرجة الأولى ، فيدخل لحظته الأولى في الاحباط . أدى الدور باقتدار{ جيسي إيزنبرغ عن صاحب الحظوة الاجتماعية الأصلي مارك زوكربرغ . في عمل درامي سجالي ، وبإيقاع لاهث ما بين خطين متشابكين أمامنا على الشاشة ، في سيناريو مشوق وبارع جدا مقتبس عن رواية { بن مزربك : “” ملياردير المصادفة “” 2009 ، وهو يسرد البذرة الأولى لما صار يعرف اليوم ب “” فيس بوك “” في بناء انساق جديدة في الاتصال ، فكان يتحرك أمامنا طالب الجامعة الشهيرة ، الراقية والنخبوية هارفرد وهو يجري بالبيجاما وفوقها روب مفتوح ، وفي قدميه الصندل الواطي والجوارب البيضاء ، يهرول باحثا عن مخرج ، لعبة ، أو عن نوع من الحمى المعدية يستطيع عبرها ان لا يكون ، ربما ، وحيدا . والبداية ، كانت تلك الشابة الجذابة المقدامة ، صديقته التي اثارت بلبلته ، وبالتالي أفسدت خططه الغرامية ، لكنها فتحت شهيته للملايين . هو شاب لا يعرف التحاور ، ولا فنون أو أصول المحادثة . من هنا ، تبدو اللحظة هذه انفجارية ، وهي تطلق شررها ووعودها على بلاد المعمورة . ثمة صور للطالبات الجامعيات الجميلات ، وثمة رائحة الثأر من فتاته ، عال ، كيف بمقدورنا وضع صورهن وببوزات مغرية وفريدة ، وأمام جمع من الطلبة لاختيار الأكثر إثارة .عندما بّوب هذه الصفحة التأسيسية دخل إليها أكثر من 22 ألف متصفح فقط .
3
نشاهدهما هو وصديقه وأمامهما الشاشة ، تصورته جزارا لا يرويه ظمأ الكي بورد ولا يريد قفل الحسابات . كان وجه صاحب الفكرة الممثل باردا وبه جانب تدميري ، بالرغم مما يقال ؛ انها شبكة بناءة للاتصال . صار له فريق عمل من المساعدين والمستشارين .. وأفعاله تنم عن خبث إلكتروني وإنساني ، فكل شيء يحاول لمسه يعولم بصورة بارعة ، ونحن نلاحق محكمة في الخط الثاني من الشريط ، ومجموعة من المحامين والمحاسبين ، ولجان من التحقيقات ما بين فرقاء الأمس ، وأعداء ألداء اليوم ، فالفلوس الهائلة تدع الأغلبية تؤثر قانون السلطة والفتك بالآخر ، فنبدأ بتعداد الجرائم والخيانات للاصحاب ، لبعض الصداقات التي اندرجت في العالم الواقعي البحت ، وليس الافتراضي ، حينها يتحقق البطش التام ، والطعن في الظهر فنشاهد عددا لا نظير له من ضحايا الصداقة الآفلة بسبب المال والبزنيس . هذا الطريق لا عودة منه ، وليس بوسع المرء التراجع. صحيح هذا الشاب عبقري ، لكن الموقع هذا شاغل الناس حقا مما يدفع هذا المخرج الكبير إلى تكريمه بفيلم اشاد به النقاد ، وكتبت عنه الصفحات بصورة ايجابية ، فهذا مخلوق استطاع ان يقوم بتنظيم سير افتراضي ما بين 500 مليون مواطن ما بين الصين والرياض ، بين واشنطن وساحل العاج ..!
4
ملايين من البشر ، من الاصحاب والأصدقاء أقاموا علاقات ، وتم نشر الصور ، الأخبار ، الترهات ، والاكاذيب ، الطرائف والقصص المسلية ، التلصص على الغير وكشف الأسرار الخ. عافته صديقته فحصل مقابل ذلك على 500 مليون صديق ، لكنه ظل يكتب لتلك المحبوبة النافرة ، واضعا صورتها أمامه على الشاشة عسى ان يتم المراد . لكن ، لا هي توافق ، ولا هو يدع اللجاجة جانبا . هذا موقع للوحيدين المتوحدين ، للمرحين البطرين ، أبناء السبيل ، وبنات آوى . شاب يعتقد أنه منفر بالرغم ، والأصح بسبب ذكائه ، فيقوم بمنح الآخرين بعض الامتيازات : إن يكون بينهم شاشة شفافة تسمح ببعض المبالغات ، تبدد سأما فوريا ، أو مقيما، لكنها تعجز ، أو هو العاجز الفعلي عن الحب .
سيد العزلة ، أصغر ملياردير في العالم ، المتروك ، المهجور والسافل الذي نراه في آخر الشريط ، يرتدي بذلة فاخرة ، وأمامه الحاسوب ، في بناء زجاجي يشبه مركبة فضائية . الصقيع حقيقي ، والمناخ موحش ووحشي . فكرة صغيرة بحجم رأس الدبوس وخز به هذا الشاب جميع الأصدقاء والشركاء ، قام بالوشاية عن هذا ، وبالتنكيل بذاك دون ان يلوث يده بقطرة دم واحدة . والمحاكمة مستمرة . في العام 2004 أطلق الموقع الأشهر في العالم ، هذا الذي يضم جيلا من الكهول والصبيان ، من الادعياء والفاسقين ، من المغامرين الاذكياء والسافلين ، حين تقول له صديقته في أول لقطات الشريط السينمائي :”” ستكون رجل حاسوب ناجح ، لكنك ستمضي حياتك وأنت تظن أن النساء لا يعجبن بك لأنك ذكي جدا ، ومن أعماق قلبي أريدك ان تعرف ان هذا غير صحيح . لن يعجبن بك ، لأنك سافل “” .
الخميس 19 ذي الحجة 1431 هـ – 25 نوفمبر 2010م – العدد 15494
https://www.alriyadh.com/579481