عالية ممدوح
ليس بوسعك بعد الآن فعل ذلك مرة أخرى. قدرت، هكذا، أن الأمر انتهى. عند ذلك الحد، انتهى. ورجحت، أنه، إذا كان عليك فعله ثانية، فما عليك الإ الذهاب إلى هناك، إليه هو نفسه، ذلك الراعي الوحيد الذي أوقد قنديله في الباب وتركها مواربة، ورث نارا هادئة، وأشعل لفافة وتركها تشتعل وحدها قبل أن يأخذ منها النفس الأول. تمنيت، أنه لا يزال بانتظارك، هكذا، ينتظر بنبالة لا تفصح عن نفسها، نبالة الجرحى الذين يلعقون ريق يأسهم ولوحدهم، لأنهم لا يقدرون غير ذلك.
وإذا ما طرقت الباب، هكذا، كنوع من أصول الضيافة، فعلت ذلك، لكنك لم تسمعي الجواب. وأيضا تصورت وخلال كل تلك السنين، أنه بالداخل ولا يزال بانتظارك، بيده الإبرة والخيط يريد أن يغرزهما في ردائك المنزلي الطويل الذي تعثرت بإذياله من طوله الشديد، لكونك لا تبالين، لا وقت لديك للنظر في تلك الأذيال. أنت عجولة ومتطيرة وهو ليس كمعظم الناس، لا يشبههم. ترك لك الأمور منذ زمن طويل، لا أنت حسبتيها كما يجب ولا هو يبالي بالرياضيات. انزوى في هذا المكان بانتظارك، شحب لونه، تجعد لحمه وتجوف فكه، لكن نظراته لا زالت صافية ويستطيع التحكم بك عن بعد، أبعد من ملايين الفراسخ والأميال وٍأقرب من إغماضة الجفنين المتهدلين.
هيا، هيا إذا شئت أدخلي عليه ليبدأ بخياطة الأذيال. لا زال لا يعرف القياسات لكنه سيلمس نسيج لحمك الذي تفطر، وبشرتك التي شاخت وقسماتك التي انخسفت.
لو خطوت للداخل قليلا، ستعثرين عليه لكنه لن يرد على أسئلتك التي جمعتيها له منذ عشرات السنين.
الخميس 12 ربيع الأول 1426هـ – 21 إبريل 2005م – العدد 13450
https://www.alriyadh.com/58327