صيرورة الخيانة


عالية ممدوح
1
ظهرت أمامي صورة الأميرة ديانا وهي تدلي باعترافها أمام الملايين من إحدى القنوات البريطانية في القرن الماضي، بأن الأمير شارل ولي عهد بريطانيا؛ لم يقدر عن التخلي عن حب استمر وقتها ثلاثًا وعشرين سنة. وبطريقة الملوك البريطانيين اعترف الأمير بخيانته الزوجية، وايضا عبر شاشة التلفزة. يقتضي القول، إن الزواج الملوكي ذاك انتهى منذ بدايته فهو حمل بذرة خرابه.

جون كنيدي تشير الوقائع والشائعات إلى وجود ما يقارب من الألف عشيقة، تبقى اشهرهن مارلين مورنو. وكان له رأي طريف في هذا الشأن: “لقد وجدت افضل علاج لمرض الشقيقة هو العناية بالخصوبة الجنسية وزيادة فعاليتها بالمغامرات اليومية “. بيل كلنتون، الشبهات حول كمية العشيقات بجواره هائلة، إضافة إلى اعترافات حارسيه الشخصيين السابقين، وهو قُدم للاستجواب وكانت الصحافة ساخطة عليه فقد لاحقته لأنه كذب في أثناء استجوابه حول تلك المتدربة الشابة. الرئيس اوباما وفي حفل تأبين نلسن مانديلا، شاهد العالم صوره وهو بجوار رئيسة وزراء الدنمارك الشقراء الضاحكة هيله ثورنينغ شميت وهما يتضاحكان بسرور غامر وبجنبه السيدة الأولى ميشيل وهي شديدة الاستياء. أظن ليس بسبب الغيرة كما تناقلت الأخبار، وإنما لأن الحداد يستوجب شروطا من الرصانة والثقلْ أكثر مما بدا عليه رئيس أكبر دولة في العالم.

2
اشتباك الصحافة بالسياسة بالجنس والمال حقيقي وفعال في الدول الغربية، والشرقية، وأعني بها تلك التي يحتضنها المحيط الهادي. أحيانا يتجاوز الزعيم الفلاني خطوط الصحافة الحمراء في أثناء حملته الانتخابية، أوانتخابات حزبه. فالصحافة الأمريكية على سبيل المثال احرقت زعماء وقادة ومرشحين للزعامة. فقد تحدت السيناتور غاري هارت في الثمانينات على سبيل المثال، والذي كان يتقدم جميع المرشحين للرئاسة. وهي لا تتوقف من التطرق أمام المغامرات الجنسية للقيادات إلا إذا اثرت أو تدخلت في تأدية واجباته الأساسية. ولأن هذا السيناتور بقي ينكر جميع ما يشاع حوله فرصدوا تحركاته وصوروه وهو يخرج من بيت عشيقته في الفجر فكان ذلك نهاية مستقبله السياسي. حتى هبت عاصفة الدراجة النارية والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند 59 سنة، يرتدي خوذة لا تكشف عن الوجه وبصحبته حارس شخصي واحد، وهو عائد فجرا إلى قصر الاليزيه من بيت عشيقته الممثلة الفرنسية غاييه 41 سنة. ياه، كم الصورة كاريكاتورية وطريفة وتصلح فيلما بحبكة مؤذية لعدد من النساء وبالدرجة الأولى لكنها مسلية من الجانب الآخر. الاحصاءات الاجتماعية تبوّب وتعلن كل عقد أو أكثر وكانت تقول إن: فرنسي من خمسة يعترف بأنه سبق له ان عايش حياة مزدوجة. 39 بالمائة يصرحون بأنه إذا كان شخص ما يحب شخصا آخر فمن الممكن ان تكون له علاقات جنسية مع شخص ثالث. ونسبة 42 بالمائة يعتقدون ان القيام بمغامرة عابرة ليس مسألة خطيرة. قرأت الأرقام الأحدث فكانت مخيفة فعلا. ضحكت وأنا أقرأ قول شارلي شابلن المزواج، العبقري، فاتن النساء والرجال والاطفال وهو تزوح اربع مرات وظل يفتخر بمآثره الجنسية قائلا: “” أنا بالنسبة للنساء ثامن عجائب الدنيا “”.

3
هل الخيانة هي الأصل، والاخلاص أمر طارئ يقوم به المرء خشية رقابة الآخر، الدين بالدرجة الأولى، فيكون الاخلاص كخط فرار للمحظور والممنوع وغير المرغوب فيه، لكن المفكر به لحظويا. هل الخيانة فكرة ثورية والوفاء أمر تقليدي ممل ؟ هل الخروج عن السائد والتقليدي، العادي والأليف خيانة، والبقاء في الواقع العفن هو تأسيس للأخلاص؟ هل الخيانة تدع الخيال محتدما وفي حالة من الاتقاد والتوهج، والاخلاص نقيص المخيال أو تكسيرا له؟ ولماذا من يخون وطنه يحكم بالاعدام ومن يخون زوجته يحكم بغرور الرجولة البتار؟ أسئلة كثيرة نضعها أمام انفسنا وأمام الكتابة، أمام فعل الصداقة، والزواج، الأبوة والأمومة، وأمام المواجهات الوجودية في لحظات الانخطاف والذعر الانساني والتخلي البشري. أمام وجه ذلك الصديق الغامض الذي أخرس، أو تشاغل أمام محنة الصداقة التي محيت بمحاية وكأنها لم تكن. “”… فالخائن هو الشخصية الأساسية للرواية، أي البطل. إنه يختلف كثيرا عن الغشاش، فهذا الأخير من جهته يستحوذ على ممتلكات ثابتة، أو احتلال منطقة، يملك الغشاش مستقبلا زاهرا غير انه لا يملك صيرورة. ان رجل دولة ما غشاش، غير ان المجَرب خائن “”.

4
فلنقل، الخائن قطع مع اتجاهاته الاسلوبية والسردية والشعرية. أخذ طريقه ولوحده. آه، لقد خان بالانضمام لذاته ولم يلتفت إلى وراء لا بحب، ولا بغضب. قطعْ مع، وتحول عن، ولم يغش في خيانته. لقد استحوذ على موضوعه ونظامه وتقدم بابتكاره وشكوكه، انه مجهول لأنه خائن لحدود الصواب القديم. حضر الماغوط الذي قال يوما “”سأخون وطني”” وحضر بعض اجمل الخونة الاصحاء من الأصدقاء والكتاب والشعراء في العالم الذين لا ينوب عنهم أي نائب في مسؤولية الكتابة أو المسؤولية الأخلاقية، فبدون صيرورة الخيانة لا توجد كتابة حقيقية. البعض يعتقد انه خائن حقيقي لكنه يدرك في قرارة نصه “”انه غشاش صغير أو صغيرة”” كل هذا وغيره أطل برأسه وأنا أرى اغلفة المجلات الفرنسية وعلى اغلفتها كل واحد من الرئيس وشريكته الصحافية فاليري ترير فيلير وقد ادار ظهره للآخر. لست قادرة أن اكون مع تلك السيدة اللطيفة القوية والكادحة، التي بقيت تشتغل بالصحافة لكي تبقى في حالة من الاستقلال الاقتصادي، وهو الرئيس الخجول، غير المهندم، ونستطيع ان نضع كلمة غير وتضبط عليه فيبدو ومنذ انتخابه وكأنه يعاني من اضطهاد ما، واغلب الظن من النساء، بدءا من الوالدة وانتهاء بأم اولاده. رئيس فرنسا شخصية روائية في الذهاب والاياب، في الظهور والاختفاء تحت خوذة عندما يقتضي حال مكابدة الغرام، وهو رجل غير زائف على الأقل في هذه الساعة، لكن كم يكون الأمر مسليا لو كتبت السيدة الأولى مذكراتها، ثم تبعتها الممثلة الأولى، بمقتضى ما ستكون، وقامت بدورها من على خشبة المسرح أو السينما، للأمانة، هذا صيد ثمين باسم الشغف وللجميع.

http://www.alriyadh.com/2014/02/08/article908189.html