تأنيث الاعتراف


عالية ممدوح
مستفز العنوان : تأنبث الاعتراف ـ سرد ” أنا ” في الكتابة الذاتية النسائية العربية ، دراسة وانتقاء للباحث المغربي محمود عبدالغني ، صادر عن جامعة محمد الخامس أكدال . منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط . سلسلة الكتاب الجامعي 2014 . التأنيث مازال ملحقاً تقليدياً بعموم مرجعيات الثقافة العربية ، فيختار الباحث مؤلفات لكاتبات وناقدات وروائيات عربيات ، وكأنه يقوم باسترداد أجزاء مهملة من هويات تعرضت لمناوشات إشكالية ، لكنها صمدت هي وأناها أمام الاحتراز والعتمة . مقدمة بما يقارب الثلاثين صفحة تغري بالتنقيب حين وصلني الكتاب مؤخراً ، فأبحث عن نقطة الانطلاق من ـ أنا ـ لمعاينة الفردية ومراجعة احوالها ، فهذه ال: ” أنا” في سياق عربي أسلامي ليس أمراً مسلما به ” ، فيعّين لها الباحث وعبر النصوص المختارة الإقامة في مأمن من المؤسسات التي مازالت تأسرها ، وقريبا من الإبداع الذي يبقى وحيد النوع ، معتمداً عدة خطوات بعيدا عن النقد المؤسساتي . ما يقارب من ال 160 صفحة من القطع الكبير ، ومنذ الصفحة الأولى يسلم الفكرة الأولى لسيمون دي بوفوار : ” … لقد اندفعت في مغامرة غير حذرة حين بدأت الحديث عن نفسي . إن المرء يبتدي ، ولكنه لا ينتهي ” . كان بالإمكان لو تم اختيار مقاطع لكاتبات عربيات أكثر ، وليس الاكتفاء بفصول طويلة نوعا للاواتي وردت نصوصهن هنا . غابت الروائية والناقدة رضوى عاشور والروائية حنان الشيخ الذي ذكر خطأ عنوان روايتها ” حكايتي شرح يطول ” باسم الروائية علوية صبح وغيرهن . فالكتب المختارة ذاع صيتها وهي مدونة بضمير المتكلم الذي لا يفضله النقاد كثيراً ، ولا يجرؤ بعضنا من الاقتراب منه ، فهو يقوم بالتداول الحر للعثرات والفشل والهشاشة ، ضمير قد يسخدمه بعضنا ضداُ للجميع . اختار الباحث فصلا لكل من : ” مذكرات أميرة عربية لسالمة بنت السيد سعيد بن سلطان في مذكرات أميرة عربية من زنجيبار 1993. تٌمسك بيدك وتدعوك للتجوال في قصرها البسيط . وتقدم أدلة تدعم عنوان الكتاب عن قوة النساء ، فتؤكد : ” لا أذكر أنني شهدت في حياتي أبا أو أما فضلوا أبناءهم على بناتهم لمجرد كونه ذكراً ” . في كتاب المناضلة الدكتورة نوال السعداوي : ” مذكراتي في سجن النساء دار الآداب 2005 ، تثبت هي أيضا : ” أبي لم يوجه لي أمراً طوال حياته . كان يناقشني في كل شيء ” . في كتابها ” أرق الروح ” للناقدة يمنى العيد الصادر عن دار الآداب 2013 . ناقشت الكاتبة الأنا وهي بين هويتين ـ حكمت ويمنى ـ ، لكن الاسم الثاني كان هو المنتخب ، وهو الذي بقي لنا على نحو شراكة ليتحمل مسؤولية باقي الضمائر : ” أنا يمنى أقول ، فهل طوى الزمن حكمت أم أن يمنى وحكمت لا تزالان تتصارعان في داخلي ؟ ” . كتاب الباحثة فاطمة المرنيسي : ” نساء على أجنحة الحلم ” الصادر 1998 عن دار الفنك والمركز الثقافي العربي ، تٌدخل القارئ معها إلى سور النساء : ” عشت طفولة سعيدة لأن الحدود كانت واضحة وكان أولها العتبة التي تفصل حجرة أمي وأبي عن وسط الدار . ولم يكن يسمح لي باجتياز تلك العتبة للعب وسط الدار ” أحد أسئلة المرنيسي التي مازالت قائمة : ” ولكن كيف نتعلم الحكي لكي ننتزع الاعجاب ؟ “. معظمنا في هذا الكتاب وخارجه ، وعبر جميع أنواع الكتابة ، بدءا من السيرة ، للسيرة الذاتية ، للتخييل الذاتي ، مروراً برواية الأفكار الخ ، نحاول استئناف التعارف مع الذات وتسجيل درجات التأتأة التي دخلت ألسنتنا كخط هروبي من تلقي الدروس ، وإصدار الاحكام غير الصائبة التي توصلنا إليها . فالكتابة بمعنى ما ليست إنقاذا بقدر ما هي مجموعة أقنعة نفكك عبرها عقوق الذات المهملة لأسباب شتى على رأسها ، أنها لا تريد أن تكون جزءا من الكورس أو … فيحضر أحدهم ليجعلها متأهبة لتبادل الموقع الذي تفضله ال ـ أنا ـ حتى لو كان باستخدامات فظة . فالروائية المغربية ليلى ابو زيد اختار لها الباحث فصلا من روايتها : “رجوع إلى الطفولة ” صادر عن مدارس الدار البيضاء دون ذكر السنة : ” كان أهل أبي يسخرون من أهل أمي ويقولون : المديني ، الزليج والرخام والشح والتقتير . كل شيء عندهم مصغر ، البيوضة والخبيزة وأسيدي نأكل ونشرب والرجا في الله ” . فاطمة أوفقير برز اسمها بالسجينة وكتابها ” حدائق الملك ” الذي دونت فيه تجربة السجن والزواج من أشهر رجل بعد جلالة الملك محمد الخامس ، أوفقير وزير الداخلية : ” في سن الرابعة عشرة رأيت رجلا مجهولا . تبدو عيناه البراقتان وهما ترسلان نظرات ثاقبة ووجهه جعلني أحار هل هو أسيوي أم مغربي ؟ ” . يشرح الباحث بعض أسباب هذه الاختيارات قائلا : ” تقوم هذه المنتخبات بتعويض الخسارة الفادحة بتقديم هذا التفوق الكاسح للملفوظ الذاتي النسائي في الثقافة العربية الحديثة ، كما وأنها بديل للهيمنة النسبية للاهتمام المبالغ فيه بالملفوظ الذكوري ” . الروائية مي التلمساني في روايتها دنيازاد الصادرة عن دار الآداب 2002 . تتحدث عن تجربة شديدة الحميمية ، وفاة طفلتها الأولى : ” رأيتها مرتين . في شهرها السادس ثم في شهرها التاسع . قلت اسمها زاد ، ثم قلنا أنا وزوجي دنيازاد . أمضيت في المستشفى ليلة واحدة والالف الباقية أمضيتها في ذكرى اسم لم أنطق به “. ريم هلال ناقدة سورية ولدت في اللاذقية تتحدث عن اللامساوة في كتابها ” البصر والبصيرة الصادر عن دار الآداب 2002 . السعودية رجاء الصانع في بنات الرياض الصادرة عن دار الساقي 2005 اثارت لغطا وترجمت إلى لغات عدة لكننا لم نقرأ غيرها ، فهل كانت بيضة الديك ؟ الروائية وأستاذة علم النفس رجاء نعمة في كتابها ” شيعية ” :” أدرك بصورة غامضة وجهي الشبه والاختلاف بين المذهب الديني والآخر السياسي ، أن لكلا المعتقدين صلة بشغل الإنسان في البحث عن العدل ” . جميع ما اختاره الباحث كان عبر كتب صدرت لجميع من وردت نصوصهن ماعدا نصي اليتيم الذي دونته بتكليف من الناقدة فريال غزول ، ونشر في باب السيرة الذاتية والشهادات ، ألف مجلة البلاغة المقارنة العدد الثاني والعشرون 2002 الجامعة الأمريكية القاهرة عن: ” أنا .. شذرات من سيرة الشغف ” : ” أكتب ، ليس كنوع من التطهير الذاتي أو اكتشاف مخرج ما ، وإنما محاولة المواجهة وعدم التبرؤ مما وقع لي أو عليّ . “