عاليه ممدوح: أنا من كتّاب ما بعد العراق – إيمان حميدان

مسرورة بأجنبيتي وبأني غير مطيعة
في كتابها الأخير «الأجنبية» «على قائمة جائزة الشيخ زايد للكتاب» تكتب الروائية العراقية عالية ممدوح في فصل بيت الجحيم «لو بقيت في مدينة
بغداد لهلكت في سن مبكرة. كان لدي استعداد للهلاك، فلنقل التخصص به». لكن لا بد لقارئ عالية ان يستشف كم العراق هو في قلب أعمالها وكم الخلاص
عبر الهجرة وهم. انها كتابة الاقصى في الوجدان وفي التجربة. تكتب هيلين سيكسو في تقديم اعمال الكاتبة ممدوح بالقول: «كلّ ما تكتبه يذهب إلى أقصى
حدود العنف، وهذا العنف يلفظه الأدب وهو غير قابل للبيع. تُلغي المحرّمات وتمضي بعيداً، أبعد من نفسها. إنّها أمثولة للجميع، لأنّها امرأة، ولأنّها من بلد
شهيد، معذَّب ومقطَّع الأوصال».
كما ان قراءة عمل من أعمالها ممتع، كذلك الحوار مع عالية ممدوح. حديث عن الهجرة والوحدة والوطن والكتابة. في بيتها الباريسي التقينا وكان لقائي الأول
معها والتعرف إليها شخصياً.
÷ الاجنبية آخر كتاب لك (دار الآداب، 2013) هو ليس بسيرة، هو ليس برواية. قرأته بمتعة كبيرة وبدا لي كمحاولة للتصالح مع النفس. كيف بدأ مشروع
الكتاب؟
} بدأ الكتاب بطلب من اللوموند ديبلوماتيك، لكتابة نص؛ كاتب ومدينة، وذلك في العام 2011، في تلك الأثناء بدأ الكتاب وفكرته بالتبلور. الكتابة عن
حالات استفزازية وغير نموذجية. عن الأنوثة التي هدرت، وعن الزمن، فأنت تكبرين لوحدك. الكتابة عن وحدتك، وعن الموت. يومياً استيقظ صباحاً وأردد:
عال، إلى الآن لم أمت، هو يوم زائد، وهذا يعني نصاً جديداً. كتاب الأجنبية هو تمرين، كيف تصيرين أجنبية بصورة ناجزة. الأجنبي الذي يدل عليه باليد؛ آه،
أنتْ من أين جئت؟ حامل الإقامات والهويات والمرجعيات في المكان والزمان. شخصياً، مسرورة بأجنبيتي فربما، لي الحق بالأسئلة والمحاولة والمعرفة أكثر
من المقيم الثابت. الأجنبي العابر المنخطف هو الذي يتلبسه الانخطاف، وهذا يعطيني مساحات حيوية في التدوين والذهاب إلى الأقصى من الداخل، فقد أخذني
الكتاب إلى مناطق ما كنت أظن يوما أنني سأصلها، على الخصوص في الفكاهة والسخرية، فقد كنت أضحك بصوت مسموع في بعض الفقرات. هو آثار من
حياتي، وأجزاء من الأخيلة والتوهمات ما بين هنا، وبغداد، وبين الجزء الأكبر من حياتي المتمثل بالوحدة، وبدون تذمر منها قط، هي خيار وجودي يفصح عن
المستقبل، فليس جميع البشر بقادر على تكاليفها الباهظة.
÷ في الاجنبية جزء عن حياتك في العراق. وأجزاء أخرى عن حيواتك المتنقلة. لكن ارى انها كتابة مختلفة عن كتاباتك السابقة. فيها كثير من المزاح الاسود
اذا استطعنا القول. كذلك أحببت طريقة تقسيم الكتاب وتسمية كل فصل بالبيت. وخاصة بيت الطاعة الذي افتتحتِ به الكتاب. هل يجوز القول إنها كتابة
نسائية؟
} لكل بيت إقامة مختلفة. طُلبت إلى بيت الطاعة بدون أية استعارة، هكذا: أنا ناشز. الكلمة بها غموض الأحرف وسحر تصحيح المسار: يقول لك أحدهم إنك
غير مطيعة، وهذا أقصى ما كنت أريده. فقد ثًبت عملياً وإجرائياً ومن داخل وزارة العدل العراقية باللاطاعة. فطوال حياتي كنت هكذا، لكن اثبات الأمر بصورة
رسمية وعن طريق السفارة العراقية بباريس كان فوق ما احلم به. من حق القارئ أن يقرأه كما يشاء، ومن حق المؤلفة الاعتناء بعملها وبالدرجة الأولى
والاطلاع على جميع التأويلات وبدون تعليق.
÷ اضافة إلى بيت الطاعة أقرأ بيت اللغة، وفصلاً بعنوان بيوت الكترونية، تلك البيوت التي تفتح على العالم. هل فتح لك كتاب الاجنبية آفاقاً جديدة في
السردية وفي الكتابة؟
} شخصياً، مفتونة بسرديات امبرتو أيكو الفكاهية. أي كتاب تحضر حيويته من استفزازه وعصيانه الداخلي. طلبت ان يكتب على الغلاف الخارجي ـ بيوت
روائية ـ ولاقى ترحيباً من ناشرتي، وهناك من استغرب الأمر وقال هذا في الصحافة. البيت إما أن نقوم بتأثيثه شبراً بعد شبر وندون ذلك، وإما أن نقوم بتهديمه
على رؤوس بعض النزلاء، انطلاقاً من عدم إيماني بالترميم بدءاً من نطفة الوطن، وأنتهاء بأرشيفه الذي تلاعب به الاحتلال وأعوانه، وتم نهبه بأطنان إلى
الولايات المتحدة. فيقوم الكاتب بإعادة البناء وتأهيل الشخصيات إذا كانت ما تزال تحمل غموضها وأسرارها. إنني كاتبة معنية بأفشاء الأسرار، اختلاقها
وتخييلها وإعادة نهوضها في هذا الكتاب أو ذاك. وقد لاحظت ان بعض البيوت متجهمة السحنة وبعضها متورد الخدود، فالأجنبية حاولت الإبلاغ عن
الرضوض الروحية والنقصان العاطفي في الحياة، حياتي وما جاورني. أما في بيوت الكترونية فأنا احكي فيه عن تجربتي بتعلم لغة العالم الجديد للنت. تجارب
مضحكة فعلا مرت في حياتي. فما زلت أرى نفسي فوق الصفر بقليل. ليس سيرة، بل مقاطع منها ممتدة، وغير راسخة. إنني كائن شغوف بالتنقل والترحل بين
أنواع الأمكنة وأنواع الكتابة، وكل كتاب لا علاقة له بكتابي السابق بدءاً من أفتتاحية للضحك، قصصي القصيرة، وليس انتهاء بعملي الجديد الذي أشتغل عليه.
هي كتب حاولت، وما زلت ان تشبهني في تحولاتي.
لا بلد يحتل مكان بلد
÷ الكتابة عن بيوت الكترونية يعني أيضا الكتابة عن عالم افتراضي، خاصة للناس الذين تركوا وطنهم. هل يمكن ان يكون هذا البيت الافتراضي عالما آخر.
هل يمكن ان يحل محل العراق؟
} لا بلد يحل مكان بلد، ولا حبيب يحل مكان آخر. مرة كتبت، إنني من كتّاب ما بعد العراق، وما يدعم هذا القول ما يحصل يوميا هناك. فأقول إنني بلا أي
مسند فني أو إبداعي للعراق حتى افتراضياً. اليوم سوف يواجه الكاتب الحقيقي، ما دام العراق قابلا للبلبلة والتشويه والاقصاء بذاكرته الجمعية والفردية، مأزقا
وجوديا وإبداعيا؛ ألا يحق للمؤلف، للمؤلفين العراقيين القيام بالحجر، والحظر على العراق لأنه فقد الأهلية، أو يحتفظ به كضرب من المفاضلة: الإيداع في
الارشيف تحت مسميات رثة، أو إطلاق رصاصة الشفقة عليه لتحقيق مراد الإبداع. ربما من هنا يبدو بلدي الأقرب إلى العالم الأفتراضي للبشر هناك نتيجة
الهلاك والشح في العلاقات اليومية السوية. العراقي مقفل عليه في بيوت، بغتة تتهدم على ساكنيها في الواقع. فيبحث، ياعيني، عن بعض الحلول الغرامية أو
الاقتصادية عبر النت والسكايب، وعن زيجات حصلت وأخبرت بها وكانت فاشلة فشلا ذريعا. كما ترين، العالم يزداد انغلاقا على نفسه، فتتضاعف وحدتك
وتصير على مقاسك وأنت تتخاطب مع كائن يشبه الشبح، وربما لا وجود له أصلا.
ولكن بجانب هذا، العالم الافتراضي اعطانا احتمالات هائلة باكتشاف أشياء لم نكن نعرفها. ارتفع السقف المعلوماتي للبشر لكن تم تبسيطه وتسطيحه، أي اسم
يخطر ببالك تصلين إليه في ثانية. هكذا، بعض البشر يرتاحون للتوهم والادمان، والعالم الافتراضي فيه هذه الجوانب وأكثر.
÷ ارى العالم الافتراضي سفرا من نوع خاص. قلت لي مرة انك تحبين الترحال. هذا يدفعني إلى سؤالك الآن لماذا قررت ترك العراق؟
} لم أترك بلدي لأسباب بطولية أو سياسية أو نضالية، أو… اكتشفت ان علاقتي بالرجل الذي أغرمت به وصلت إلى حواف اللاعودة، ومن الأمانة ان يخبر
احدنا الآخر بذلك.
÷ هل تزورين العراق؟
} غادرت العراق وولدي في العام 1982. دعيت في العامين 83 و84 للمربد، وإلى اليوم لم ازره.
÷ كعابرين أو كمهاجرين لدينا حساسية برؤية الاشياء بشكل متميز ومختلف عن ابناء البلد. وأعني الأديب لانه يتمتع بحساسية خاصة. يحمل معه ثقافة
وتجربة، ويطل على ثقافة وتجربة جديدتين. يغدو شخصا آخر، ولم يتحول إلى ان يصبح مثل ابناء البلد. اين عاليه من هذا كله؟ حاملة ثقافتين وتجربتين؟
} بعض البشر يمسخون في بلدانهم، والمنافي تضاعف وتبرز ذلك. علي إعلان الامتنان لدار الآداب التي قدمت للمكتبة العربية أبرز الأسماء والعناوين
للروائيين والمفكرين الفرنسيين. كنت أعرف شوارع ومقاهي ومسارح باريس من كتبهم ومسرحياتهم. كعربية استطيع فهم واستيعاب عنصرية فرنسا مثلا كما
كتبت عن جارتي الفرنسية في كتاب الأجنبية. فلدى كل منا جانب عنصري يموه عليه بشتى الطرق كي يهدئ من روع عنصريته، بالمعارف والفنون، وإعادة
تربيته الفكرية والإنسانية. شخصيا أفضل عنصرية فرنسا الحمقاء على عنصرية بريطانيا الخبيثة التي عشت فيها فترة لا بأس بها أيضا. فهذه الأخيرة حين
تكون ضدك لا تقول شيئا، تدير ظهرها لك باحتقار مشين. الفرنسي يشتمك، وأنا أفضل الشتيمة فهي تبرر الرد.
÷ نستطيع ان نصف السلوك الانكليزي بالسلوك الملكي!!
لنتحدث عن الذي يحدث في العالم العربي. رغم انك لست سياسية، لكن من المؤكد انك مهتمة. كيف ترين وضعنا نحن النساء العربيات في ظل ما يجري؟
} أظن نحن في بداية الزلازل، وهذه لها ارتدادات قد تصل فورا إلى الأرض التي نقف فوقها تماما فيتم اقتلاع هذا الزعيم أو ذاك، وقد يُضرب ما حول الأقليم
وتصل الشظايا إلى أمكنة غير متوقعة قط. التونسي، شخصيا اطمئن لمرجعيته الدستورية فقد راكم وعلى مر تاريخه النضالي وبطريقته الفذة ما يؤكده الحاضر.
هذا لم نلاحظه في باقي دول الخضات العربية. الحرية ركيزتها الأولى انها تُدّون بالدماء، وعموم الدول في العالم دفعت وتدفع الاثمان. ففي الثلاثين سنة
الأخيرة وعلى وجه الخصوص، تم تأثيث الأرضية والعقلية بالحجاب والنقاب، ليست للوجوه والأجساد، وانما بسيول من الكتب والفتاوى والتكفيرات، ولولا
بيروت وتونس في أوقات المجد الأول، لما تم نشر كتاب مضاد أو مغاير، وهذا الأمر ما زالت بيروت متربعة على عرشه. أظن، في جانب من هذه الانتفاضات
وبلبوسها الديني بالذات، علينا المرور بها، لا طريق للسلامة والنجاة منها، يجب أن تخاض بطريقة من الطرق، وربما بتكاليف يحاول البعض ان يدعها غير
باهظة. هؤلاء تيار لهم وزنهم وقوتهم وارتداداتهم. ألا ترين معي، أن تونس بالذات كانت المساحة التي شغلتها المرأة قد أخذت الشاشة والأرض معا. تقلصت
وانحسرت مساحة الرجل / البطل / في البيت، في صنع القرار، وفي السرير الزوجي. أظن في جانب ما، من ذاكرة أرشيف الذكور، ثمة في اللاشعور في هذه
الثورات ما يحضر لإعادة الرجل لكي يشغل المساحة، ان لم يكن كلها، فعلى الأقل نصفها. هل لاحظت يا إيمان أن اوائل القرارات التي أٌعلنت في اليمن
وتونس، ليبيا وسوريا ومصر الاخوانية، وقبلها العراق، هي قرارات حول؛ تعدد الزوجات، والزواج من القاصرات. عال، على تلك المساحات وأمام المرأة، إما
ان تنكمش، وتبقى داخل الحيز الخصوصي بعدما ملأت الحيز العمومي لعقود، فابتعد الرجل عن الخالق والصلوات قليلا أو كثيرا، وإذا لم يصلح الحال، هذا هو
خطابهم، فلتختفِ المرأة نهائياً.
المرأة العراقية
÷ ما يحصل في العالم العربي هو فعلا تقليص مكان المرأة. لكن كيف نفسر زيادة عدد النساء بالبرلمان العراقي مثلا؟ الآن يوجد نساء برلمانيات أو في
الحكومة أكثر من قبل؟
} موضوع المرأة في العراق يسبّب الخزي. في بعض الأحيان يسافر وفد من النساء البرلمانيات لتجميع تواقيع من وفود سويدية من أجل إباحة ضرب
النساء، وأن يسمح باستخدام العنف معهن، وتقليص سن الزواج. جرى هذا بعد الاحتلال. ثم ظهرت وزيرة لتعلن عن أحقية تعدد الزوجات، إذا وافق الرجل،
وارتداء الزي الموحد واللون الموحد. هناك مطاليب برلمانية ومن النساء لإعادة تأهيل النساء أنثوياً (بالختان) الذي كان عادة ليست شائعة عندنا.
÷ كيف لتجربة 40 سنة السابقة حيث الانظمة العربية ادّعت الأفكار القومية والتقدمية وتبني قضية المرأة أن تفرّخ نساءً مثل هذه المرأة؟
} جانب مما تقولينه دقيق. الحرية أمر مخيف، وليس في وسع الجميع ان يكونوا احراراً أبداً. الحرية تعني؛ دائماً يجب البدء من جديد. ودائما هناك أسئلة
شديدة الاستفزاز، كما هي أسئلة الكتابة الجديدة، لا احد يتابعها إلا الندرة، أو تٌقرأ على مضض لأنها تنتج أسئلة إشكالية لا تستهوي القارئ الذي يرغب بإعادة
انتاج الواقع، وكما هو ثانية وعاشرة، ويخشى من مواجهتها، ففيها مواجهة مع الذات، وهذا يقتضي التمرد على نمط تفكير تكلس مع الأسف. الحرية من المفاهيم
التي ليس بوسع الجميع، لا الدول ولا الافراد ولا المجتمعات ولا الازواج، الايمان بها مئة في المئة، أو ثمانين في المئة، أو أقل بكثير. فهي عمل يومي ممتد
على طول ثقافتك، ووجودك الإنساني والمعرفي. يومياً أكتشف أنني أكثر حرية من اليوم المنقضي، لأنني أكتشف جهلي من نوعية الأسئلة التي تواجهني وأقف
أمامها في كثير من الأحيان حائرة أو في حالة من التناقض غير الخلاق. امرأة حرة، تقرر مصيرها، تكدح وتنتج، وتشتغل، وهي مستقلة اقتصاديا، هذا أمر ما
يزال يشكل هاجس التهديد للطرف الآخر، الرجل.
÷ علاقتك بالعراق، الوطن، ماذا بقي منها؟ كيف تحكين عنها الآن؟
} ليس لدي تابو بموضوعة الوطن. الاوطان دائما في طريق التحول. تتحول مثلنا نحن البشر، مثل اعضائنا. العراق دولة في طريقه إلى التحول. انا
تحولت. كان لدي حنين مرضي، لم يكن هستيري كما لدى البعض ممن أعرف. الحنين وحش كاسر يجعلك تخاف، فقط فيما اذا سلكت طريقا ما مختلفا ولو في
رأسك عن ذلك الذي تعرفه من قبل. الكائن الذي يمسه الحنين هو الذي يكبح أسئلة الحاضر والمستقبل من أجل طمأنية ملاذ الماضي، الذي بعضه تم تزويقه أو
تزويره لكي يتم نفيه تماما من المواجهة. اشغف بالذين يلتفتون إلى وراء بغضب وفكاهة وبرودة، للكتابة عن الصدمات الهائلة التي روعتنا. لا أفضّل الذي
يتآمر عليّ ويقول إن بلدي كان فردوساً، أو صار فردوساً. علينا القيام بتفكيك آليات كل ما واجهنا نحن وغيرنا من ويلات وانتزاع ذلك البلد بفعل الكتابة
المغايرة بعيداً عن الثأرية والحنين معاً. لدينا أورام وطنية، بالابطال، التماثيل والنصب والنياشين والملابس المستوردة، كما العراق البعثي وعراق اليوم. بعد
عقود وعبر كتاب الأجنبية أخذت العزاء بوفاة والدي فأنا لم آخذه على محمل الجد، كما لم آخذ، لا بلدي ولا حالي على محمل الجد. صدرت قرارات تثير
الضحك بمنع الخمرة في العراق، الخمرة تدخل في تركيب جينات العراقيين منذ ألوف السنين، وهي التي تجعل العراقي قادراً على تحمل اهوال ما يحصل.
فكتبت فصلا في الأجنبية؛ بيت للثمالة، فشاهدت والدي وهو يعود لي ثملا وجميلا، العراق سيعود أيضا، ويصير اكثر اريحية وبهاء حين يصل إلى الثمالة، ولا
يعود يتذكر الضغائن والتكفير.
÷ هل تعتقدين انك ستعودين يوما إلى االعراق ؟
} في مثل احواله هذه، لا… إطلاقاً لا!.
÷ هذا الكتاب هو خاتمة الاحزان بالعلاقة مع الوطن. كأن تقولي هذا الوطن مات وانا اتقبل التعازي. لكن هذا الوطن ترك فراغا بالطبع وعالية ممدوح قد
ملأته بشيء آخر، ما هو هذا الشيء؟
} ليست هناك خاتمة للشجن يا صديقتي. ربما، كل وطن يحمل السم والدواء سويا، وما علينا ككتّاب إلا محاولة تثبيت ذلك بالكتابة حتى لو لم يقرأها أي أحد،
فأنت وضعت البذرة ولم توجلي الحرث. أحيانا اجد نفسي في هذا الكتاب، أمام عمر لا يحسب بالاعوام قط، يرحل لكن بلا مرارة. انا متصالحة مع سني
وهشاشتي، وأفولي. عشت وأغرمت، وأغرم بي. لم اكره أحداً، الكراهية درجة متقدمة من الاعجاب. اليوم اعيش اعمق مفصل في حياتي وخصوبتي الروحية
والكتابية، وأنا هنا في مدينة تتدهور هي أيضا ولا يلاحظها إلا الأجنبي مثلي.
÷ لكل منا طريقته في الكتابة…. انت كيف تدخلين اليها… ما هي طقوسك؟
} ليست طقوساً، إنها بعض الطاقات أود توفرها في المكان لكي استطيع الكتابة. أنْ أكتب في مكاني الذي عهدته. المعدة غير متخمة، وأيضا لست جائعة.
ارتدي ثياباً مريحة، وهذا يعطي حركتي خفة. هيا، اضحكي هنا؛ يجب أن أتعطر، لا أعرف، ربما لكي أخلي الطريق أمام الشخصية حاشداً بالعبق فتحضر بين
يدي. العطر طريقة للتحرش بها، بالإغواء الفعلي، عليّ القيام بغنجها لو كانت رجلا، وعلى الخصوص الرجل.
(باريس)

http://www.assafir.com/Article/66/341939