عالية ممدوح
شريط كلينت ايستوود، فتاة المليون دولار، قاس يشتمل على الشجن والألم القاتلين.
يتظاهر انه عن رياضة الملاكمة للنساء، هذه الرياضة التي يشغف بها العموم الامريكي الا أن هذه اللعبة هي مجرد ذريعة لفضح جوانب انسانية يتراكم فيها الجشع والانانية كأم البطلة التي حاولت ابتزاز الابنة وهي في وضع مأساوي. المشاعر الملتبسة والغامضة للمدرب الرافض في البداية تدريب الفتاة وهي تلاحقه حتى يوافق، يقوم بهذا الدور ايستودد السبعيني الجميل في واحد من أعذب وأقوى أدواره، وهو نفسه الوالد المخذول بغياب ابنته التي تتواصل معه بالخطابات فقط. المدرب وهو في طريقه للأفول والغياب والفتاة الايرلندية الفقيرة والطموحة والشغوفة بالفوز والنجاح يلتقيان في مركز رياضي معتم وبين اصوات الحالمين والطموحين بالالقاب والفلوس. دورة الكاميرا متمهلة بطيئة تروح إلى ضلال الشخصيات، وتلامس بعض القسمات في الوجوه. كنت أشعر بالمرارة ليس في الفم فقط وانما من الضربات القوية التي توجهها الفتاة وهي تصعد الحلبة إلى كل من نازلتهن. لولابعض الألوان، مثل الروب الأخضر الذي أهداه المدرب للفتاة وهي تصعد الحلبة بعد سطوعها السريع جدا، لقلت، هو فيلم بالاسود والابيض. فالألوان مقتشفة جدا، فالأسود به شحنة الاحتدام والأبيض بارد كالموت والبيج معتم. والكاميرا لاتثبت على أي وجه طويلاً، تبدأ من عينيه، تراه في خطواته الواهنه أو في دمدمته كما مع المدرب وهو يقرأ في كتاب الشاعر ييتس كأنه يتلو الصلوات لكي ينجو الجميع من الهزائم. فوز مبهر للمتدربة الطموحة، وقفزات شاهقة وهي تعانق المدرب في فرح شبه طفولي، فتصورت أنني سوف أشاهد حكاية فتاة مهووسة بالبطولة وكيف ستصعد إلى النجومية والنجاح حتى تطرق ابوابها الملايين، فكرتي هذه بها صفاء نية بيني وبين شخصيات فيلم كهذا، فأنا لا أحب المملاكمة ولاالمصارعة، أنني أفضل العنف الرمزي أكثر من ذلك المكشوف والذي يتعاظم أمامنا. لكن هذا الفيلم يسلمنا وبعد الثلث ساعة الأولى منه قدره التراجيدي وتعقيدات النفس البشرية والاحتمالات الضعيفة للجسد البشري في حالة مرضه وهشاشته، وذلك الصراع ما بين المدرب والفتاة، فقد رفض تدريبها وكأنه كان يهجس بالمأساة الآتية لا محالة. فيلم يملأ الحلق بالخسارة الشديدة، ببعثرة الأحلام وتمزق الطموحات. لانقوى على كتابة المفصل الأساسي فيه لكي لانفقد المتعة. هذا الشريط يعطينا أيضا مفاتيح العبث الوجودي، بريق تشكيل النجم، اللمعان الصغير والضئيل والذي لاغد له. غبطة الفتاة التي نالت كثيرا في فترة قصيرة فسلمت ما نالت إلى الوالدة القاسية، التي ساومت الأبنة على العواطف والمصير. هل بمقدورنا القول بجحود الأم ازاء ابنتها المتدربة الذي يقابل عقوق ابنة المدرب. هو نظام يكشف عن ماهية الكائنات البشرية، فثمة هؤلاء القساة وثمة المدرب الذي تراوحت مشاعره بين الحنو والانخطاف بالفتاة، بين الاغواء والبنوة غير المتحققة لغياب ابنته الدائم. وهذه المتدربة هي ايضا تجد فيه الأب، الصاحب والصديق فكانت حركاتها تحمل ذلك الجانب من الرفاقية والتلقائية حتى تحصل تلك الحادثة الصاعقة. هو شريط حب غائم، ملتبس غير مزيف ولاعرضي. مدرب لم يروض جسد الفتاة لكي تتدرب جيدا وتفوز بالملايين فقط وانما لكي يزيدها رفعة وسخاءًا وانسانية ولكي تذهب إلى قدرها وهي تمتلك امتيازات فوق طاقة البعض. خرجت خلسة قبل اضاءة الصالة، حتى الدموع، دموعي التي كنت أعتبرها فعالة في مثل افلام كهذه، بقيت كما نقول بالعراقي حدر الجفن. هيلاري سوانك تفوز بالاوسكار كافضل ممثلة وايتسوود كافضل مخرج والفيلم كافضل فيلم والشريط مقتبس عن كتاب لإن اكس تول، الملاكم السابق والمدرب وبكاميرا الفنان توم ستيرن.
الخميس 5 ربيع الأول 1426هـ – 14 إبريل 2005م – العدد 13443
https://www.alriyadh.com/56557