عن ديانا جبور

عالية ممدوح

كل الأخبار تقول، إنها ليست بعثية، ومع هذا تم تعينيها مديرة لإدارة التلفزيون العربي السوري. هي الكاتبة والناقدة والإعلامية – ديانا جبور. الايديولوجية لها لون زاعق ولها رائحة خبيثة في أغلب الأحيان، اما طعمها فهو محتشد بالمرارة. أول مرة شاهدتها وهي تحاور الروائي العراقي فؤاد التكرلي المفتون بالصمت، والذي يتلعثم بشكل حيوي، ما يشي عن درجة حيائه إلا مع هذه السيدة التي جعلت من الحوار معه مهرجانا من القصص اللطيفة والنموذجية، من الذكريات الثمينة والمرح الشفاف، حررته من افراطه بالمراقبة الذاتية وأحالته بذكاء جميل إلى الحديث وبطلاقة غريبة عن أفراد رواياته، شخوصه الصغيرة والكبيرة، أعماله الباهرة في السرد الروائي وفي تلك الاقتراحات التي سجلها فؤاد منذ الخمسينات في مجامعيه القصصية – العيون الخضر – بالذات، وبعد أن أعاد طبعها مجددا. هذه المحاورة ذات الحرفية الراقية كانت تعيد تركيب الكاتب أمامنا، تضعه في الكادر المهم من الصور التي تنحاز للإبداع والحرية والافتتان بالنصوص التي أمامها. منذ دهر لم أشاهد لقاء تلفزيونيا يحترم ذكاء المتفرج وذائقته المميزة، يحترم قراءات واختيارات القارىء / المشاهد. لم أرها منتفخة بثقافتها بقدر ما كانت مزهوة بضيفها كذات مبدعة، وهي تحاول النفاذ من خلال كتب الضيف، الاحتفاء بالكتابة والتخييل، والانحياز للجمال. فوجئت أننا نمتلك هذا النوع من النساء القادرات على إدارة حوار فكري وثقافي ومن فولتية شديدة القوة فلا نقع في العموميات أو التبسيط أو الاختزال أو الخفة.ديانا جبور حضرت من جهة النقد المتبصر، فكانت لها زاوية للكتابة عن الكتب والسينما والفنون لذلك جاءت حلقتها مع السينمائي المشاكس يسري نصرالله بديعة وطافحة بالوعي والمجازفة بطرح اسئلة ماكرة فهي تنتقل من فيلم إلى آخر وتحدد ملامح عقد من الزمان لجيل من السينمائيين ومخططات لما كان سيتم ولماذا لم ينجز حتى الآن.
أسئلة حارقة كانت تسمح، للشاعر سيف الرحبي باطلاقها هو بلا تعديلات أو تهوميات. ثم كرت سلسلة من الحوارات مع الفنانين والممثلين من سوريا والبلاد العربية. لم يستهوني برنامج تلفزيوني ثقافي كما برنامجها بالرغم من اذاعته بعد نوم العموم وربما نوم النخبة. أشعر أنها لا تغش، هي أمامنا أستاذة وطالبة تريد أن تقدم ذاتها القارئة والباحثة والناقدة، إنها لا تصفعنا كل ثانية بعدد رفوف مكتبتها ولا بأعداد الكتب التي طالعتها، وانما بفتنة الأفكار التي تحاورها، بما تحول لديها وسوف تنقله إلينا بشيء من الكرم. كنت تشعر أنها قرأت وفحصت، بحثت وتقصت ما تحت جلد الكاتب وما بين سطور الكتاب أو عدسة الفنان. بعد انتهاء كل حلقة من حلقاتها كنت أعود ثانية لكتب التكرلي أو لمعاودة مشاهدة أفلام يسري نصرالله الخ. أشعر أن مرجعيتها الثقافية قد صارت مرجعيتي أيضا.
هذه النوعية من النساء لا يجوز سجنها في عمل روتيني، إداري ومهني ذي منفعة بيروقراطية بحتة، سوف تأكلها الادارة وتفكك إرادتها وصبواتها الثقافية في ما يدعى – بكتابنا وكتابكم، أخشى أن لا نعثر على ذلك البريق الذي يميز عينيها وحركات رأسها وهي تديره للضيف بجدية ورشاقة. أظن وآمل أن لا يكون ظني في محله، إما، أنها سوف تقدم برنامجا به شيء من التسويات وهذا ضدها، وإما أن تبقى على استقلاليتها لكن قد تسبب أزمة ما في اروقة التلفزيون، وإما أنها سوف تستقيل بعد فترة من الزمن من وظيفة إدارة التلفزيون السوري، أو أنها قد تفصل من جميع المهام حتى من برنامجها الساحر… أو.. والله أعلم.

الخميس 16 جمادى الأولى 1426هـ – 23 يونيو 2005م – العدد 13513
https://www.alriyadh.com/74383