عـــراقــــان – كتابات – فاروق يوسف

عام 2004 حين نالت الروائية العراقية عالية ممدوح جائزة (نجيب محفوظ) التي تمنحها الجامعة الامريكية في القاهرة قالت في حفل التكريم وبصوت متهدج كلاما فصيحا لا غبار عليه، غاضبا لا يتسع لأي
تأويل يزيحه عن معناه. قالت (لا) لاحتلال وطنها في حضور السفير الامريكي في مصر. كان العراق الجريح يدمي شفتيها وكانت دموع العراقيات الصابرات تتلألأ بين أهدابها.

كان خطابها نوعا سافرا من التحدي والمقاومة، وهو ما ألب عليها حشود الضالين ممن أعماهم غبار عجلة الاحتلال عن رؤية الحقيقة والاعتراف بها فهاجموها واعتبروا منحها تلك الجائزة اعلاء من شأن تلك الحقيقة
التي يودون لو أن دبابات المحتل دفنتها إلى الأبد. كانت عالية يومها مخلصة لواجب المثقف ازاء مبادئه في الاوقات العصيبة التي يمر بها شعبه. لقد اعتبرت عالية وقفتها تلك فرصة نادرة لكي يكون لسان المثقف
معجما لالام وعذابات وشقاء شعبه. في المقابل فان المعمارية العراقية زها حديد وقفت قبل أيام في أحدى قاعات متحف غوغنهايم في نيويورك لتلقي كلمة في افتتاح المعرض التكريمي الذي يقام لاعمالها الفنية هناك،
ولم يرد العراق بين كلماتها إلا في صفته ملعبا لذكريات شخصية، لم تقل عن العراق المحتل كلمة واحدة، لقد اغمضت عينيها عن رؤية الحقيقة، وانحرفت بالمبدع الكبير الذي يسكنها إلى موقع ما كنا نحب أن نراها
فيه: الصمت ازاء الظلم الذي لحق بوطن لم تكف عن التصريح بولهها به. كما لوأنها تقرأ في كتاب حضر عراقها مزينا بأناقة الموتى، زهرة ذابلة في كأس عتيقة، في حين كان عراق عالية ممدوح قد حضر ممتلئا حياة
وهو يصرخ بحق شعبه في العيش الكريم والخيال النبيل. الفرق واضح بين المبدعتين: كانت عالية أكبر من الجائزة لذلك ذهب نظرها بعيدا، في اتجاه وطنها العظيم في حين استصغرت زها حديد أبداعها حين
أصطدمت نظراتها بجدران المتحف الامريكي فارتدت اليها والينا خائبة.