عالية ممدوح.. عراقية تصحبك إلي المهجر لتريك بغداد

عرفت أن حبها الأول هو حبها الأخير، وأنه لكي يعيش الحب لابد أن يعرف طعم الفراق!
في الغربة كتبت رواياتها الخمس التي استلفتت أنظار النقاد، نقشت اسمها بمهارة علي جدران الوحدة.. قررت أن تكون عالية ممدوح كاتبة عراقية تصحبك إلي المهاجر لتريك بغداد!.. تتغرب فقط لتريك أين يقع البيت البغدادي؟.. تنظر إلي أعماق نهر «السين» لترسم صورة أعمق لنهر دجلة، تقف أمام برج «ايفل» لتشير في قلبها إلي حدائق بابل المعلقة!.. تعيش في باريس لتقترب من مدينة الرشيد.. تلتمس عطور عاصمة النور لتريك قنينة فل صغيرة كانت قد اشترتها من شارع الرشيد، تقف أمام أبواب «اللوفر» لترسم بنفسها صورة حقيقية لمدينتها.. بغداد.. تنحت تمثالا لأبي نواس وجاريته جنان!.. تنحت تمثالا للرصافي وللزهاوي ولبدر شاكر السياب.. لم تعمل بالسياسة ولم تنتم إلي حزب، لكنك إذا فاجأتها بكلمات لمظفر النواب، فإنها تكملها معك: «ولا عديت ولا استخطيت ولا طارف كذب وديت وجالولي عليك هواي!.. وجالولي عليك هواي»!
تختزن في ذاكرتها خيطا تاريخيا من الدم والعرق والدموع، حزن منقوش ومحفور يتجدد كل عاشوراء، سلاسل تضرب صدور العاشقين من أحباب الحسين الشهيد، سلاسل تضرب قلوب العاشقين، تتماهي مع الألم الذي يمس الروح تسألها: هل هو جلد للذات؟!.. فتقول: لا.. ليس جلدا للذات وإنما هو عقاب الفرح، الفرح الذي يمكن أن يأتي ونحن لا نستحقه.
فأسألها: هل ثم فرح يأتي؟!.. وهل ثم فرح لا نستحقه؟!.. هل نحن حقا أولئك الذين كتب عليهم شقاء جلد الذات؟.. طعم الجنازير.. السلاسل، وفي أعناقنا دم الحسين الشهيد: «شيعتي إن شربتم عذب ماء فاذكروني/ أو سمعتم بشهيد أو غريب فاندبوني».
هل ثم فرح لا نستحقه يا عالية؟!.. فتقول: نعم.. وإلا فلماذا تعني أوضاعنا العربية المهزوزة سياسيا وثقافيا واقتصاديا؟!.. لقد طرح الغرب خطابه.. فأين خطابنا نحن؟.. ماذا سنقدم لحالنا؟!
حبات النفتالين!
في روايتها «حبات النفتالين» ترتحل عالية في البيت البغدادي، تقدم النساء الأكثر قدرة علي اتخاذ القرارات، عندما هدمت الحكومة بيت بطلتها هدي في «الأعظمية» لتطور الشارع كان هذا بداية لإحساس هدي بالاغتراب، وكان هذا هو منفاها الحقيقي، وفي روايتها.. «الولع» قدمت صورة عن قرب لحبها الأول والأخير.. لحبها العاصف المهلك.. حبها المستحيل الذي يحمل الانفصال الأبدي لأنه يحمل وجه الاتحاد الأبدي.
صاحبة «الولع» تقول: «في باريس.. ثم أناس يتزوجون وكل واحد منهم في حجرة منفصلة لا يري وجه الآخر ولكنه فقط تزوج ليشم رائحة البشر.. ثم أناس يجلبون قططا ليأتنسون بملمس كائن حي.. يتنفس.. ويموء أحيانا!.. لكنني أنا اخترت وحدتي.. وحدة الاستغناء، وأحببت لحظات عمري، كل ألم.. وكل تجعيدة في وجهي أحبها وأعتز بها.. عندما تختارين الوحدة لا يعني ذلك أنك تصلين إلي جحيمك الخاص ولا إلي فردوسك الخاص، الجنة والنار كلمات فضفاضة لحالة إنسانية شديدة بالمعني النفسي والعاطفي والمعرفي، ابني في كندا وتوأم روحي في بغداد كنت أتمني أن يكونا معي وأنا أستلم جائزة «أبونا» نجيب محفوظ، أن يكونا معي وأنا أصطاد هذه اللحظات من الحنان، آه.. يا حبي الباقي.. يا حب العمر.. أي حب سواك زلات لسان!.. تماسكت، وسألتني أما لديك من موضوع آخر.. غير الحب؟!.. قد يتصور الناس.. أننا نجلس ونقعد للحب فقط؟!.. فأغير الموضوع.. الذي يجدد نفسه طول الوقت مع ملامح امرأة عاشقة.. مرة يسمي نفسه «الولع» ومرة يسمي نفسه «المحبوبات»، في صورة الحب دائما أجد وجه عالية ممدوح معذبا بالشوق.. متوهجا بالتوق.. مؤتلقا بالمحبة.
المحبوبات!
في روايتها «المحبوبات» تقدم عالية امرأة في منتصف العمر تنتقل إلي المستشفي وسط حشد من الصديقات والأصدقاء «المحبوبات والمحبوبين» يرابطون حولها في محاولة لإعادتها ثانية إليهم واستعادة وعيها.. غيبوبتها طريقة جديدة للتعارف مع من يعرفونها!.. غيبوبتها أحد مفاتيح شخصيتها.. حيث بقيت بتكاليف باهظة علي قيد الحياة!.. في الرواية مساحة كبيرة للنساء، تقول عالية: النساء دائما يدهشنني.. ردود أفعالهن متناقضة.. مختلفة وثرية، عالم المرأة جميل وخلاق ولذا أفرد للنساء مساحة كبيرة في رواياتي.
الغُلامة
تعترف عالية أن روايتها «الغلامة» هي أقسي ما يمكن أن تكتبه في حياتها، تقول: عندما انتهيت من هذه الرواية فوجئت بقسوتها، تتناول الرواية قسوة الحزبية عندما تسحق الطموحات وذوات الأفراد لمصلحة الحزب الواحد، حيث يجمد كل شيء، ويذبح كل شيء حتي الشعر.. حتي قصيدة الحب، لأن كل شيء لابد أن يكون مجندا للحزب!
في العتمة!
كل كاتب يتحدث عن بقعة ضوء، كل كاتب يكتب نفسه، الكتابة هي محاولة للاكتمال، للتخلص من الفشل.. تقول عالية: «في حياتنا فشل وهشاشة وضعف إنساني نحاول أثناء الكتابة أن يبدو أكثر قوة وحنانا.. وكلها محاولات»!.. قلت لها: ينصح البعض ألا نحدق كثيرا في خبايا النفس!.. فتقول: ينصح البعض ألا نحدق كثيرا في خبايا النفس!.. فتقول: «كل الآراء في نفس اللحظة من الممكن أن تكون صحيحة أو خاطئة، يعتمد هذا علي البقع السوداء التي نحدق فيها داخلنا، هناك بقع شديدة العتمة يخاف الناس من التحديق فيها.. ولكن التحديق بالداخل مهم، هناك أشياء بداخلنا نريد أن نحاربها.. الناس تخاف أن تعترف أنها مهزومة أو خسرانة، تخاف أن تعتذر عندما تخطئ.. وبالتالي عندما لا نعترف بالخطأ.. فكيف نصلحه؟.. الغرب لن يصلحنا.. لن يقدم لنا خارطة الإصلاح.. لابد أن نحدق بعيوبنا لنعرف طريق خلاصنا.. هذه هي الخريطة الصحيحة، كل شيء سوف نراه في العتمة، الضوء الصناعي لا يضيء الروح.. كل شيء ينبغي أن يأتي من داخلنا لا شيء يأتي من الخارج أبدا».
من راقب الناس!
«أصل إلي شخصياتي من خلال المشي!.. أنا مشاءة.. أرقب الناس إلي درجة التلصص».. تعترف عالية وهي تتمشي فتقول: «ليس صحيحا أن من راقب الناس مات هماً.. بل من راقبهم يكتب روايات جديدة وعميقة.. في باريس تفرغت للكتابة، في باريس تليفوني قليل الرنين وأعرف من يتحدث إلي.. في باريس عرفت التفرغ للكتابة، وفي بيروت توهجت ثقافيا وإنسانيا، وفي المغرب عملت بالصحافة.. الصحافة جعلتني أراقب البشر وأجعل من كل من أقابله مشروع رواية! السينما صديقتي تعطيني حلولا بديعة وخطيرة للعمل الروائي». كانت تستعد للسفر.. تحمل حقيبتها لتغادر.. تتكئ علي قلب يطاوعها.. قلب يريد أن يحيا.. أن يعيش كرة من نار، من مستصغر الشرر!!