رواية عن الوجع العراقي – د. حسن مدن

في رواية عالية ممدوح: “المحبوبات”، نحن إزاء كتاب الوجع العراقي الطويل، وجع العراقيين، سواء كانوا في داخل العراق أو في المنافي، البعيدة أو القريبة، الموزعة على اراضي الله الواسعة، التي توزع عليها العراقيون، بسبب المحنة الطويلة التي يعيشها وطنهم. انتهت عالية ممدوح من كتابة “المحبوبات” في عام ،2002 أي قبل ان يقع العراق تحت الاحتلال الامريكي، لكن مأساة العراق حاضرة في الرواية بكل ثقلها ووجعها، ليس فقط لأن الكاتبة كانت تهجس بأن وطنها آيل للاحتلال، لامحالة، وانما، أيضا، لأن محنة العراق قد ابتدأت قبل ذلك بكثير، بسبب الحروب العبثية التي وجد العراقيون أنفسهم يقادون اليها، وقودا بشريا، خلف وراءه الكوارث والفواجع، ثم بسبب الحصار الجائر الذي أودى بالآلاف، خاصة الاطفال منهم، نحو الموت لنقص الغذاء والدواء.
تدور احداث الرواية بين باريس وكندا. حكاية امرأة عراقية ابنة مخرج مسرحي عراقي معروف ورثت عنه حب المسرح وموهبة الرقص، تقذف بها ظروف بلدها الصعبة الى الهجرة، هي وابنها الذي سيكبر ويغدو رجلا، ليرحل للعيش في كندا مع زوجته التي تجمع بين اصول فارسية وهندية. سهيلة، الأم، هي محور الرواية. حكاية امرأة مدهشة تحمل على كاهلها أعباء حياة قاسية في وطن ذهب الى الخراب، فحملت معها، الى منفاها، خراب هذا الوطن وانكسار أحلامها، وتوقها لحب ضائع، أو لحب مرتجى بالكاد نعثر في الرواية على بعض وميضه. لكن الومضة تظل ومضة، ليس من شأنها ان تدوم طويلا.
تستغرق تفاصيل عودة الابن من كندا لزيارة أمه المسجاة في مستشفى بباريس، في حال غيبوبة عميقة، حيزا كبيرا من الرواية. في هذه اللحظة الدرامية يستعيد الابن تفاصيل حياته وحياة الأم. وفي الغالب فإن الاحداث تدور على لسانه. انه الراوي الرئيسي، الذي يتداعى ويتذكر ويخمن ويهجس. لكن رغم ان الراوي، في الغالب، رجل، الا ان عالية ممدوح، المرأة التي تتقمص بإتقان شخصية الأم سهيلة، حاضرة بذكاء يشهد لها به. ان المرأة هي التي تتكلم بأدق التفاصيل التي لايعرفها سوى النساء: التفاصيل الانسانية الحميمة، والتفاصيل الحياتية المبهحة، تفاصيل الطبخات اللذيذة، تفاصيل المكياج وأدوات الزينة، الأحاديث النسائية المسلية والعذبة.
قلت انها رواية عن الوجع العراقي. لكنها بمقدار لايقل رواية عن المرأة، رواية عن النساء: النساء الجميلات، الذكيات، الموهوبات، الفنانات. والنساء الفرحات والمحبطات والمنكسرات والساعيات وراء حلم، والساعيات نحو ترميم ذاكرات مهشمة، والراغبات في استعادة اوطان مفقودة حل فيها الخراب والموات والضياع. بل ان اسم الرواية: “المحبوبات” انما يشي بذلك، في إشارة الى ذلك الحشد المهيب من النساء التي اختارتهن الكاتبة بعناية فائقة، لتجعل منهن صديقات حميمات لسهيلة، ولتعرفنا، عبر ذلك، الى حيوات غنية ثرية، مبهجة أحيانا، حزينة أحيانا أخرى، لهؤلاء النساء اللواتي ربما ذكرننا بنساء نعرفهن حق المعرفة، أو نساء نرغب في أن نصادفهن يوما في الحياة. في “المحبوبات”، الصادرة عن دار الساقي، تبرهن عالية ممدوح، مرة أخرى، انها كاتبة موهوبة، متمكنة من أدواتها، مخلصة لعملها الإبداعي وحريصة على العناية بالتفاصيل الدقيقة فيه. انها تكتب لكي تأسرنا بما تكتب.

E.mail: [email protected]
عن “الخليج”24/5/2006

مصدر الخبر موقع البديل العراقي

www.albadeeliraq.com