رسائل متفجرة وملتهبة كتبتها الرسامة المكسيكية العالمية فريدا كاهلو صدرت مطلع هذا الشهر في بلدها كذلك في نسخة فرنسية عن “دار كريستيان بورجوا” في باريس، وهي
تنشر حالياً وتزامناً مع كتب عديدة عنها وعن فنها وسيرتها الذاتية بمناسبة مرورمئة عام على ولادتها. واذا كانت هذه المئوية قد حرضت وشجعت على نشر كل ما يتعلق
بالفنانة، الى جانب عدد كبير من المعارض التكريمية والاستعادية لأعمالها، فان رسائل فريدة لا تعوزها المناسبات لتخرج الى العلن من ملفات ورثتها، ذلك ان تلك المرأة التي
اضحت بعد موتها ايقونة خاصة ببلدها، تعود الى الواجهة
بعد الاهتمام الكبير للنقاد بأعمالها التي ارخت لحياتها وعذاباتها الكثيرة: عاشت فريدا ثلثي حياتها مقعدة بسبب حادثة اصطدام بباص ضخم حطمت لها ساقاها وحوضها وهي
كانت مصابة اساساً بالشلل منذ طفولتها، مما جعل مشيتها غير سوية، وما اثر ايضا على عدم قدرتها على الانجاب، وهذا كان قمة يأسها بعد ان احبت الرسام دييغو ريفييرا ولم
تتمكن من انجاب الأولاد بعد زواجها منه. بدأت فريدا الرسم وهي ابنة 12 عاما وما ان اقعدها الحادث وهي مراهقة شابة حتى انطلقت بالرسم وهي تستعين بمرآة في سقف
غرفتها حيث امضت سنوات من حياتها نائمة، فكانت ابرز لوحاتها بورتريهات لوجهها الى جانب بعض الموضوعات التي حاولت تجسيدها في شخصيات وأمكنة بوحي من
احلامها وأوهامها. كما ان فريدا عرفت بطبعها الحاد وانتقادها اللاذع لكل الأمور، وهذا الجانب من شخصيتها يبرز في مراسلاتها التي كانت تصلها بالاخرين حين تعذر عليها
التنقل بسهولة. ننقل بعضاً من هذه الرسائل لفريدا كاهلو الصادرة في المكسيك وفي باريس حاليا، الى العربية:
رسالة الى ليو الويسير نيويورك، 26 تشرين الثاني 1931 المجتمع المخملي هنا يضرب لي على الوتر الحساس وأشعر انني غاضبة من كل شيء من حولي، وخاصة
هؤلاء الاغنياء لأنني التقيت هنا بآلاف من الناس الذين يعيشون في بؤس اسود، من دون مأوى او سقف ومن دون طعام وهذا ما جعلني اتأثر كثيراً بواقع الحال هنا. وأجد انه
امر فظيع ان الاغنياء يقضون ايامهم ولياليهم في الحفلات الصاخبة في حين ان الالاف يموتون من الجوع … وعلى الرغم من كل الاهتمام الذي اوليه للتقدم الصناعي
والميكانيكي في الولايات المتحدة الاميركية الا انني اجد ان الشعب الاميركي يفتقد الى الذوق والحس الرفيع بشكل فاضح. والاميركيون يعيشون كما لو انهم في مزرعة دجاج
كبيرة، وسخة ومقرفة، ومنازلهم شبيهة بأفران الخبز وما يتحدثون عنه من رفاهية في منازلهم ليس سوى مجرد اسطورة ووهم. ربما انا مخطئة لكنني اقول بكل بساطة وجهة
نظري وما اثر في قلبي (..).
رسالة الى دييغو ريفييرا 23 تموز 1935 ـ هل يجب ان امتلك فعلا رأس بغل كي لا افهم على الاطلاق كل ما يجري من حولي: الرسائل وقصص الفساتين ومعلمات اللغة
الانكليزية والغجريات اللواتي يعملن على الجلوس امامك لرسمهن وكل النساء اللواتي يظهرن اهتماما “بفن الرسم” واللواتي يحضرن من الخارج. كل هذا تفاصيل مسلية وأنا
اعرف ان ما بيني وبينك هو حب بالمعنى العميق للكلمة، وحتى لو عشنا كل هذه المغامرات وكل هذه الخناقات التي يليها دائماً ابواب تقفل وشتائم، فنحن نحب بعضنا على
الرغم من كل شيء. وأظن انني بالفعل غبية الى حد ما لانني طوال الاعوام السبعة التي عشناها سوية وبعد كل نوبات الغضب التي كنت امر بها، أرى نفسي اليوم انني ما
توقفت عن حبك وانني احبك اكثر من جلدي، وحتى لو انك لا تحبني بنفس القدر فانك على الاقل تحبني قليلا، اليس كذلك؟ واذا لا، فأنا احتفظ دائماً بالامل للوصول الى ذلك،
وهذا يكفيني. احبني قليلا وأنا اعبدك فريدا رسالة الى جوليان ليفي مكسيكو، 1938 ـ لم افكر يوماً بالرسم قبل العام 1926، لكنني في ذلك العام، وجدت نفسي مسمرة في
سريري بعد تعرضي لحادث طريق. كنت اسأم كثيراً في سريري وأنا محبوسة في الجبس (بعد ان تعرضت الى كسر في عمودي الفقري وعظام أخرى) وهنا فكرت في ان
اقوم بأمر ما، فطلبت الألوان الزيتية التي امنها لي والدي اما امي فقد احضرت لي خشبة خاصة لأضعها فوق رجلي وارسم، وهكذا بدأت الرسم.
المصدر المستقبل – الخميس 6 أيلول 2007 – العدد 2725