جلبة / القادة / النجوم


عالية ممدوح
1
السيد باراك أوباما يشبه راقص باليه، لديه دزينة من الصفات الظاهرية ؛ الرشاقة الأناقة، خفة الحركة والحيوية وهو يحث الخطى أمامنا كمتفرجين. له أيضا شكل محامٍ يترافع ببذلة زرقاء مكوية بعناية وقميص ناصع البياض أليف هذا السيد بابتسامته التي تكشف عن أسنان بيضاء وكأنه يعلن عن معجون جديد سينزل الأسواق قريبا، على العكس من السيد ماكين العبوس المحافظ وابتسامته تقاس بالمثاقيل فالبازار الانتخابي
هو هكذا فعلا وفصاحة ما يقوله هذا الزعيم وباقي النجوم / القادة / الشعراء / الخ، لا يترك لنا إلا جلبة لا مثيل لها. هناك شبكة من المفاهيم والنظريات تحاول التحليل والتأويل للحالات العصبية والنفسية والعاطفية التي يقوم بها الجسد البشري في محيطه الأول ؛ علاقته هو بذاته وبالتالي بصيرورة جسده، بالتحولات جميعا، بهرمه، تحلله وعودته ترابا. هذه الصيرورة لا تحاكي أو تقلد أحدا، هي أنتء بكل المعاني. الممثل في المسرح أو السينما على سبيل المثال، حين يستولي عليه دور ثري يقوم باقتناص مزدوج لأفضل ما عنده هو كذات ومن الدور المرسوم فنرى، عبر الاشعاع القوي والتمثيل الفذ، كائنا لا علاقة له بالاثنين أوباما يمتلك وجها شعبويا عموميا متسقا متجانسا مع ماكنة إعلامية تريد تقديمه بهذه الصورة وما عليه إلا التحدث بلغة تلك الماكنة، أكثر من الحديث بصوته وحركته الخاصة الطبيعية. لغة الجسد تكشف عن قراءات متعددة ليست متجانسة كلها بالطبع ولا مطلوب منها أن تكون كذلك
2
قد يفشل أوباما في الوصول للبيت الأبيض، لكن وجوده بهذا السياق والسباق الحاسم في مرحلة دقيقة في تاريخ الولايات المتحدة والعالم يستدعي تقديرا مزدوجا لنظام انتخابي تتداخل فيه الفضائح بالمصالح، المكبوتات بأسلاب الحروب، البهلوانية التي تقطع الأنفاس وغنائم الضحايا من جميع الأعراق والألوان والاثنيات، فهذه الولايات إذا انتصرت أهلكت ما حولها وما يبعد عنها ألوف الأميال، وإذا اندحرت وهُزمت كما هي اليوم تهتز أسواق وبورصات وبيوتات ودول في أرجاء المعمورة، ولكن يبقى هنا وهناك من يردد ؛ فليحمٍ الرب أمريكا. هنا، في الجمهورية الفرنسية، لم يحظ منذ أيام الرئيس شارل ديغول بتغطية إعلامية فاقعة جدا ولليوم كما الزعيم الفرنسي ساركوزي هو رئيس استفزازي، استعراضي يجهر بعداوته بالصوت وعضلات الوجه، يزعل ويحتقن وجهه بالدم فيشتم يسافر كثيرا كأنه يريد الإفلات من قدر كوني يخشى أن يضربه في مقتل. وبسبب هذا وغيره فهو مهندم معطر أحاط بيمينه زوجته الأولى سيسيليا الفاتنة التي عافته لسلطة محبوب آخر بعدما أعلنت سأمها من الاليزيه وبدأنا نرقب حركة يده اليسرى وخط السير الذي سيفر إليه ؛ الوقوع وبسرعة في غرام العارضة الايطالية كلارا بروني ؛ المغناجة المغوية لعدد من أصناف وأنواع الرجال ما بين الأغنياء جدا ونجوم السينما ومطرب الروك البريطاني كلايتون وناشر كتب. أنظروا إلى حركة جسدها، كأنها السيدة الواحدة والنهائية،وهو، الزعيم الذي يبدو كأنه واقع في مآزق نظراتها تحاول كما كانت تلك الأميرة الأسطورة، ديانا، باشعاعاتها الخفية والسرية التي تشتعل على جبهات عدة وتصل لملايين البشر. لغة الجسد محرض ومحرك تتفاوض فيه السياسة بعروض الدلع، الصور العارية والوجاهة الاجتماعية بشيء من غفلة أو براءة محيرة. الرئيس كلنتون كان يمتلك كاريزما فذة قدمته الميديا : لطيف المعشر رغم سنوات خيباته مع والدته. عازف على آلة موسيقية كمزاج أمريكي صرف، وسيم بصورة ماكرة جعله قليل الحيطة والحذر في أثناء علاقته الخاطفة والصاعقة مع المتدربة مونيكا. بدا للعالم وكأنه يعاني من مجاعة جنسية وقتها قدم للمحاكمة وفي عروض المؤتمرات الصحافية لم يقل الحقيقة إن اللسان قد يعاني من اللعثمة، أما الجسد فهو جهاز ليس بمقدورك الهيمنة عليه كلنتون كان يدعك أنفه كثيرا والباحث الذي راقبه دون استنتاجه : إن الرئيس يدعك انفه بكثرة أثناء استجوابه، وهذا يعني في لغة الجسد، أنه يكذب.
3
بعضنا يتجنب النظر بشكل مباشر إلى عيني محدثه فيوصف بالخجول، أو ضعف الثقة بالنفس ولكن هناك رأي يقول أن هذا له مدلول آخر : انه يحاول الظهور بصورة تناقض حقيقته يقول الباحث والعالم البريطاني بالسلوك البشري وردات الفعل الحيواني ديزموند موريس في إحدى الحوارات كلاما لافتا ولطيفا عن الأنف : “هذا العضو من الأهمية بمكان أن نسجل عجز علماء التشريح عن تقديم تفسير مقبول لتمتع الجنس البشري بانف بارز مكتنز. يقول أحدهم أن هذا الأمر ليس له دلالة وظيفية خاصة، أما نحن، فإنه يصعب علينا التصديق. إن أنف الإنسان بالمقارنة مع أنف القرد قد تطور على هذا النحو المميز من دون أن يكون لهذا التطور وظيفة محددة. وعندما نقرأ الجوانب الداخلية للأنف فهي تحتوي على نسيج أسفنجي قابل للانتفاخ ويسمح بتوسيع المنخرين والمجاري الأنفية عن طريق توسيعه الأوعية الدموية أثناء الإثارة العاطفية والمواقف المحرجة، فان هذه الملاحظة العلمية تدفعنا إلى طرح أسئلة كثيرة حول هذا الموضوع والذين لم يبتعدوا كثيرا عن الفطرة ويفهمون لغة الجسد يشعرون أن الإنسان يتحول إلى كتاب مفتوح عندما يجلس أمامهم “. هذا الجسد يستوطننا ويعبر عنا وإذا ما نظرنا إلى المنظومة التعبيرية لحركة الأجساد البشرية في أثناء الابتهالات والصلوات والاحتدامات الاعجازية والصوفية وفي جميع الديانات التوحيدية نلاحظ أن كل إيماءة في الجسد هي لغة وإشارة تدخل في معنى التبليغ والتعبد يقدمها المؤمن لخالقه.
@@@@
حين نختار شخصيات أعمالنا نردد على أنفسنا ؛ بالتأكيد سنعثر على حل أو مجموعة حلول لذاك الرجل البدين أو تلك السيدة العانس عبر شبكة علاقتنا البشرية. بلغة اليد الخاوية والعين المخاتلة والسحنة التي تشي بتعابير لا حصر لها من الاشمئزاز والبغض. الطب النفسي يقول : من الصعب على أي إنسان أن يقمع لغة جسده أو يتحكم فيما يقول في آن معا، ذلك أن الإشارات الصادرة عن الجسد هي دليل يطيح بكل تفسير أو خداع لن أنسى ما عشت حركة ذلك الشاعر، حين بدأت زوجته بالمحادثة بصوت نافر وزاعق وأمامنا جميعا إلا أن ألتفتء للجهة الثانية من جلسته. أتخذ وضعية الجنين. كور نفسه وحمى رأسه وأذنه بيده وأسبل جفنيه لقد سمح لنا في تلك الجلسة أن نشهد عرضا جنائزيا بلغة فصيحة، فبدلا من أن يرمي نفسه من النافذة، قال لنا بحركته التراجيدية : النعي والتأبين.
الرياض 16-10-2008

https://www.alriyadh.com/381275