جزائريان للمرة الأولى على القائمة القصيرة لـ”البوكر” العربية

ستة كتاب من المشرق والمغرب بينهم كاتبة عراقية يضعون رواياتهم في الميزان.

ككل سنة بات الأدباء جمهور الأدب العربي ينتظرون موعد الإعلان عن القائمة الطويلة ومن بعدها القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، التي مثلت سواء للكتاب أو القراء نافذة
على المشهد الروائي العربي وما يعتمل فيه من أفكار وأساليب ورؤى.
مراكش (المغرب) – أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية (آي باف) أمس الثلاثاء

قائمتها القصيرة لدورة 2020 والتي ضمت ستة أعمال من الجزائر ولبنان وسوريا ومصر والعراق.
ضمت القائمة روايتين جزائريتين هما “الديوان الإسبرطي” لعبدالوهاب عيساوي و”حطب سراييفو” لسعيد خطيبي، وروايات “ملك الهند” للبناني جبور الدويهي و”الحي
الروسي” للسوري خليل الرز و”فردقان” للمصري يوسف زيدان و”التانكي” للعراقية عالية ممدوح.
واختيرت هذه الأعمال من بين 16 رواية وصلت إلى القائمة الطويلة التي أُعلن عنها في ديسمبر المنقضي.
البحث عن معنى

جاء الإعلان عن القائمة القصيرة خلال مؤتمر صحافي عقد في متحف حضارة الماء بمدينة مراكش المغربية بحضور لجنة التحكيم المشكلة من رئاسة الناقد العراقي محسن جاسم الموسوي
وعضوية الصحافي اللبناني بيار أبي صعب والباحثة الروسية فيكتوريا زاريتوفسكايا والروائي الجزائري أمين الزاوي والإعلامية المصرية ريم ماجد.
وقال رئيس مجلس أمناء الجائزة ياسر سليمان “تقدم القائمة القصيرة لهذه الدورة ست روايات تتنوع آليات السرد فيها كما تتنوع موضوعاتها والفضاءات التي تدور فيها أحداثها زمانا
ومكانا”.
وأضاف “على الرغم من هذا التنوع فإن شؤون الإنسان العربي في ماضيه وحاضره تبقى شاخصة في أجواء من السرد التخييلي الذي يطحن القارئ طحنا في بطئه في بعض الأحيان أو
يعدو به عدوا سريعا إلى عوالم من الألم الذي لا يبارح النفوس في أحيان أخرى، وأيا كانت الوجهة فالتجربة بالرغم من بطء المسير التخييلي أم سرعته، واحدة، مآلها البحث عن معنى يفسر
ما يدور بحثا عن الانفكاك من الراهن بكل أطيافه”.
وتتضمن القائمة القصيرة لدورة الجائزة الثالثة عشرة خمسة كتّاب وكاتبة واحدة، تتراوح أعمارهم بين 34 و75 عاما ويأتون من خمسة بلدان عربية.
وقد وصل إلى القائمة القصيرة لهذا العام كاتبان سبق لهما أن ترشحا للجائزة وهما جبور الدويهي، المرشح للدورة الأولى للجائزة عام 2008 عن “مطر حزيران” ولدورة عام 2012
عن “شريد المنازل”، وللقائمة الطويلة عام 2015 عن “حي الأميركان”، ويوسف زيدان، الفائز بالجائزة عام 2009 عن “عزازيل”. كما شارك الكاتب عبدالوهاب عيساوي في
ندوة الجائزة التي عقدت في عام 2016، وهي ورشة إبداع للكتّاب الشباب الموهوبين.
الأعمال الروائية التي وصلت إلى القائمة القصيرة أغلبها روايات تبحث في التاريخ البعيد والقريب برؤى جريئة
وتبلغ قيمة الجائزة 50 ألف دولار، وتقدمها دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي بدولة الإمارات تحت رعاية مؤسسة جائزة البوكر في لندن. ومن المنتظر إعلان الرواية الفائزة في الـ14 من
أبريل عشية افتتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب.
وفي تصريح خاص بـ”العرب” قالت الناقدة والروائية الجزائرية فاطمة قيدوش عقب وصول روايات جزائرية إلى القائمة الطويلة ومن ثم القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية “أظن
أن الرواية الجزائرية بدأت تحقق خصوصيتها مع كتاب جدد بدأوا يشقون طرقهم ويبتدعون أساليبهم في حياكة السرد، ولابد للنقد أن يلحظ المستجد في بنية الرواية عما كانت عليه مع
روائيي الجيلين السابقين.
ألاحظ أن الشخصيات الروائية باتت أغنى وهي تحضر في المتون الروائية بطريقة مقنعة، من خلال مواضعها من السرد والتعبير، وهو ما أعطى الفن الروائي فرصة لتأكيد خصوصيته
عبر ما اجترحه الروائيون الجدد من لغة وتطلعات أدبية وجمالية. هذا ما حدث مع الرواية الجزائرية في العقد الأخير، والتي انطلقت عناوينها إلى فضاءات الإبداع العربي والعالمي“.
وتضيف الناقدة “الجيل الجديد من كتاب الرواية الجزائريين خرج من دائرة المعاناة وكتب بصدق متحديا كل الحواجز التي عانى منها داخل الوطن ليثبت أن إبداعية العمل الروائي وحدها
الكلمة الفصل”.
وتتابع قيدوش “مع سعيد خطيبي وعبدالله عيساوي تحس أنك تقرأ الرواية الجزائرية بروح جديدة وموضوعات جديدة. وفي نظري إن العمل بمقوماته المتحققة من شأنه أن يثبت شرعيته،
مع أن الجوائز ليست دائما هي المنصف للأدب. هنيئا للرواية الجزائرية التي وصلت إلى هذا المستوى في جائزة مهمة كالبوكر في نسختها العربية وهذه علامة صحية جدا تعتبر إضافة
وشهادة في حق السرد الجزائري”.

لكل رواية تاريخ

تسرد الرواية الظروف الغامضة التي يُعثر فيها على زكريا مبارك مقتولاً عند حدود قريته بعد أيام على عودته من غربة طويلة
تسرد الرواية الظروف الغامضة التي يُعثر فيها على زكريا مبارك مقتولاً عند حدود قريته بعد أيام على عودته من غربة طويلة
أما الكاتب والروائي العربي رمضاني، فيقول إن “وصول الرواية الجزائرية إلى القائمة القصيرة للبوكر مكسب كبير ومهم للنص الجزائري الذي يبقى متميزا في طرحه واشتغالاته
وانفتاحه على على أكثر من فضاء، في تصوري عمل سعيد خطيبي ‘حطب سراييفو‘ نص متفرد جدا في تناوله للمأساة الجزائرية المتزامنة مع حرب البلقان وانعكاس ذلك على كينونة
الإنسان”.
في روايته “الديوان الإسبرطي”، الصادرة عن “دار ميم للنشر” في الجزائر، يتعرض عبدالوهاب عيساوي لفترة تاريخية تمتد من 1815 إلى 1833، ويتطرق من خلالها إلى
مسألة الوجود العثماني في الجزائر. حيث تبدأ الرواية مع معركة واترلو على أطراف بروكسل ما بين الجيشين الفرنسي والبريطاني، والتي انتصر فيها البريطانيون، وتنتهي بخروج اللجنة
الأفريقية من الجزائر، وتنسج الرواية أحداثها عبر شخصيات تتشابك مصائرها في سلسلة من الأحداث.
يُفاجئنا سعيد خطيبي (1984) في روايته “حطب سراييفو”، الصادرة عن منشورات الاختلاف وضفاف (2018)، بالتقاط اللامتوقع، ويكتب نصا؛ سيرة بلدين، كل شيء يفرق بينهما
ظاهريا، لكن شيئا فشيئا يدرك القارئ حجم التّشابهات التاريخية والثقافية والإنسانية بينهما وخاصة ما يتعلق بالحرب الأهلية التي نشبت في البلدين.
وفي روايته يعود خطيبي إلى أواخر التسعينات من القرن الماضي لمُساءلة الوقائع التاريخية المطمورة؛ حيث ذهب إلى سراييفو، بحثا عن الجزائريين الذين تاهوا في البلقان، وطُمرت
سيرهم، ولم نعد نسمع عنهم شيئا. ويتلمّس الكاتب مدى التّشابه بين تاريخهم وتاريخنا، بين الجزائر والبوسنة والهرسك تاريخ من الدّم والخسارات، والكثير من الحبّ والفرص الضّائعة
أيضا.
أما جبور الدويهي فيسرد في روايته “ملك الهند” الصادرة عن دار الساقي في بيروت، عن الظروف الغامضة، التي يُعثر فيها على زكريا مبارك مقتولا عند حدود قريته، تل صفرا، بعد
أيام على عودته من غربة طويلة بين أوروبا وأميركا وأفريقيا، حيث اختار العودة محتفظاً بلوحة “عازف الكمان الأزرق” لمارك شاغال، التي أهدتها له صديقته الباريسية.
وتدور الشبهات حول أبناء العمومة، الذين ربّما قتلوه طمعا في كنز توارثته العائلة، وقد أخفته الجدّة تحت المنزل الذي شيّدته لدى عودتها من أميركا. وبأسلوب مشوّق، تحكي الرواية قصّة
مقتل زكريا عند تقاطع خطر اختلطت فيه خرافات الذهب وحروب الأشقاء مع حبّ النساء الفرنسيات ووعد الثروة الزائف وعداوات طائفية تظهر وتختفي منذ قرن ونصف القرن.

وتدور أحداث رواية خليل الرز “الحيّ الروسي”، وقد صدرت عن منشورات ضفاف والاختلاف (2019)، في حيّ افتراضي ينشئه الكاتب في ضاحية من ضواحي دمشق، كنا تعرفنا
إليه وإلى بعض شخوصه في روايته السابقة “البدل” رغم أنه لا علاقة بين الروايتين.
ويقدم الرز في هذه الرواية تاريخا مختزلا بشكل فني ليعاين من خلاله الأزمة السورية عبر ما اجترحه من أحداث وشخوص، ليقرأ الواقع السوري ويكشف أسراره ورؤاه للخلاص.
ويأخذ يوسف زيدان عنوان روايته “فردقان”، من اسم القلعة التي سُجن فيها الشيخ الرئيس ابن سينا سنة 412 هـ، وكتب فيها كتاب “الهداية”، و“رسالة القولنج”، و”قصة حي بن
يقظان”. وكأن زيدان يُريد أن يؤكد أن عصر ابن سينا وما شاع فيه من تعصب وصراعات مذهبية وطغيان يتكرر على نحو آخر بعد ألف سنة، وأنه لا سبيل لمواجهة شنائع العصر
والإرهاب الديني دون استدعاء تراث وفكر وعقلانية عظماء الفكر وعباقرة العلم مثل ابن سينا.
ويؤكد زيدان أنه أراد في روايته كشف التشابه الكبير بين عصر ابن سينا وعصرنا الحالي، خاصة في ما يتعلق بالحروب الدائرة والصراع على السلطة تحت زعم رفع راية المذهب أو
العقيدة. أما رواية “التانكي” للعراقية عالية ممدوح، الصادرة عن منشورات المتوسط، فتنشغل بعلاقة الإنسان بالمكان المسلوب، وكيف يمكن بعد أربعة عقود من الزمن في المنافي، أن
تتخيل الكاتبة عودتها إلى العراق، لتبدأ رحلتها في رصد التحولات الكبرى التي مر بها البلد والتغييرات التي حدثت في المجتمع، عودة أدبية، لكنها تلامس حدود التراجيديا، بنسج حياة
تتشارك فيها مع أبطالها، ما طال المكان من تحولات.
وقد عد محمد الأشعري، الروائي والأديب المغربي الحائز على جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، الرواية من أهم النصوص الأدبية التي كُتبت حول بتر الأمكنة منا، واستلابها قصرا،
حيث قال عن الرواية وأهميتها “إنني متأكد من أن رواية ‘التانكي‘ هي من أجمل وأعمق ما كُتب في أدبنا العربي الحديث عن بتر الأمكنة منا، أو بترنا منها”.

https://alarab.co.uk/%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D9%86-
%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89-
%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-
%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D9%83%D8%B1-
%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9