حوار – عالية ممدوح
الأنكليزي جوناثان رايت عمل كمراسل صحافي لوكالة رويترز في الشرق الأوسط لأكثر من ثلاثة عقود، وعاش في القاهرة، لكنه منذ العام 2008 أصبح من المترجمين البارزين للروايات العربية. نالت معظم ترجماته الجوائز وحظيت بالثناء لدقتها وإتقانها، درس العربية والتركية في جامعة سانت جون في إكسفورد. ترجم عزازيل وساق البامبو. نال جائزة الأندبندنت للترجمة الأجنبية عام 2014 لترجمته «المسيح العراقي» للعراقي حسن بلاسم، وحصد جائزة نيبال مناصفة مع الأميركي وليام هتشينز لرواية اليمني «بلاد بلا سماء» وجدي الاهدل. ترجم يوم الدين للروائية والناشرة اللبنانية رشا الأمير، مجنون ساحة الحرية لحسن بلاسم؛ حيث لا تسقط الأمطار للشاعر أمجد ناصر وغيرها من الروايات. دعتنا الصديقة والروائية اللبنانية حنان الشيخ لحفل موسيقي في زيارتي الأخيرة للندن، وما أن بدأت الموسيقى حتى سكتنا عن المحادثة، فأكملنا ما انقطع عبر هذا الحوار. أرسلت له الأسئلة باللغتين، وفي أقل من ساعتين وصلتني الأجوبة بالإنكليزية. خجلت من أريحية سلوكه شديد الرهافة، ومن اللارد من بعض الكاتبات والكتاب والصحافين العرب، هكذا كخلل مرضي يدمغ صاحبه بالعوز الروحي والفكري بالدرجة الأولى.
العربية أصعب اللغات
* ما الذي دفعك لاختيار اللغة العربية للدراسة، وبالتالي للترجمة؟ فيما إذا وضعنا بالاعتبار أنها واحدة من أصعب لغات العالم، ألآ توافقني على هذا؟
– أخترتها كنزوة وأنا في الثامنة عشرة من عمري، وبعد زيارة للمغرب. ربما، لا شعورياً كنت أدرك مغزى أن الفضاء الثقافي للذين يتحدثون العربية متميز، بعدما نجح في الحفاظ على هويته أكثر من غيره من الثقافات ولم يخضع للاستعمار الأوربي. هذا الأمر كان مغريا جداً لي وحفزني لمعرفة المزيد. شخصيا لم أعمل بالترجمة حتى وقت قريب؛ لأنني كنت أشتغل بالصحافة، ولكن في خلفية عقلي كنت أعرف أن الترجمة ستمنحني سروراً وعوناً في التقريب بين البشر في تنوعهم، فالعربية تعد من بين أصعب اللغات في تعلمها، وذلك للتنوع الشديد في مستويات اللغة جغرافياً واجتماعياً وزمنياً، وبرغم تعاملي مع العربية يومياً ومنذ ما يقارب الأربعين عاماً وما زلت أتعلم يوميا مزيداً من الأشياء.
الشللية والتراجم
* في حقل عملك في الترجمة، ألا تعتقد أن هناك شبكة من الأصدقاء (ما نسميه بالشللية) تقوم باختيار، أو انتقاء أعمال الكاتب التي ستدفع به للترجمة، أم أن الكتاب الجيد هو الذي يفرض نفسه على المترجم؟
– سؤال الاختيار معقد، ولكن في الختام للسوق الكلمة الأخيرة. ترجمت روايات من انتقائي، وكان اختياري نوعا من الترويج لها، ولكن اعتيادياً، الناشر هو الذي يضع اختياراته على أساس تصورات معينة في عملية التسويق وما سيكون الأكثر رواجاً. بعض دور النشر والكتاب أصبحوا أصدقاء في الوقت الحاضر. نعم.. يقومون بهذه الوظيفة وهذا يسهل نشر أعمال كاتب إذا ما كانت له روايات سبق أن نجحت في سوق النشر واختاروا سرداً ناجحاً لرواياتهم.
الكتب الضعيفة والجوائز
* هل تعمل الجوائز -مهما كان صيتها- على إعلاء شأن كتاب، هو في الأصل ضعيف، أو لا يستحق، هل توافق على ترجمة أعمال كهذه ولأسباب مالية بحتة؟
– من وجهة نظري، أرى أن الجوائز جد مهمة للكتاب الشباب فهي حافز للكتابة. الترجمة والكتابة ليست في العادة مجزية، وليست الطريقة المثلى في الحياة. فالجائزة الكبرى ممكن أن تعمل اختلافا هائلا في حياة المؤلف. بعد رصدي لبعض الجوائز ولعدة سنوات، انطباعي أنه من غير الواقعي أن نتوقع، وفي كل عام أن تكون هناك تحفة أدبية مدهشة. لأي لغة، حتى في اللغة الإنكليزية وضخامة إنتاجها، فليس في كل وقت هناك الأعظم. لا يقلقني أن تمنح الجائزة، وفي بعض الأعوام لكتاب ضعاف في ناحية أو أخرى. أنا لست نخبوياً في نظرتي للأدب. فالأدب يشبه البيت الكبير بغرف كثيرة، لذلك هناك مجال كبير لمن يقدم حكاية قوية بلغة بسيطة، واسعة الانتشار فينال شعبية لدى جمهور القراء الواسع.
الركاكة في لغة الأم
* هناك كاتبات وكتاب يكتبون بلغات ركيكة في السرد واللغة الخ، وفي لغتهم الأم فتمنحهم الترجمة قدرة على الصقل والضبط. وهذا أمر شائع في جميع لغات العالم. هل تناولت بعض تلك الأعمال في مسيرتك الشخصية؟
– لدينا تعبير بالإنكليزية يقول: “لا نستطيع صنع محفظة من الحرير من أذن الخنزير”. أظن أن هناك ما يماثل ذلك في العربية ولكن لا يحضرني المثل. المترجم يقدر أن يجّود تدفق السرد في مدى محدد، ولكن إذا ما وصلنا جذر العمل: حبكة الرواية والشخصيات فهناك قيود صارمة تحد من قدرة المترجم على أي تشذيب، على الأقل، هذه نوعية الترجمة التي أشتغل عليها. أعرف بعض المترجمين يتعاملون مع النص الأصلي كقالب يمكن أن يصبوا فيه أفكارهم، هذه طريقة شائعة في القرون الماضية، لكني شخصياً أشعر بمسؤولية ضرورة التعبير عن نوايا النص الأصلي وشخصياته بقدر الإمكان. وأن يكون جيداً قدر استطاعتي وضمن قيود الإنتاج الإنكليزي الذي عليه أن يكون فصيحاً ومتاحاً للقراء.
القارئ المتطلب
* أخيراً، ما هو مزاج القارئ الإنكليزي حين يُقبل على قراءة الروايات؟ كيف تحضر الرواية من الهند أو نيبال إلخ وتكون مؤهلة للنجاح المدوي؟ في رأيك ما هي المميزات في مثل هؤلاء القراء، وأي نعت نطلقه على هذه الروايات؟ هل نضع في الاعتبار قسوة وتطلب ذائقة القارئ الإنكليزي أو البريطاني وسط القراء الأوربيين؟
– من الصعوبة إطلاق التعميمات حول “قارئ إنكليزي”. هناك تعدد وتنوع ليس فقط بين البلدان التي تتحدث الإنكيزية، بل وسط الذين يطالعونها كلغة ثانية أيضا. أرى معك الحق حول الكتاب الهنود: جهومبا لاهيري. كيران دساي. فيكرام سياث. ارافند اديكا. هؤلاء نجحوا بصورة هائلة، من الجائز بسبب كتابتهم باللغة الإنكليزية أصلاً وقدرتهم على التناغم مع الفضاء الثقافي الإنكليزي {انكلوفونية. كما أن القراء البريطانيين يشعرون بنوع من الانجذاب للثقافة الهندية وذلك لأسباب تاريخية، ولكن، أنظري حجم أولئك القراء، فالأغلبية يطالعون أعمالا شعبية، بضمنها رواية الجريمة، والجاسوسية والأسرار الغرائبية أو الخيال الجامح، أو الأدب الخفيف الذي يعكس حياة هؤلاء القراء.أما سوق ما يسمى بالرواية الأدبية الفنية فإن الناشرين يؤكدون لنا أنه محدود للغاية. لكن الأمر المشجع هو أننا نشاهد ألوفا من الجمهور يقرأ في الباصات والقطارات والمقاهي، فالكثير من هؤلاء يطالعون القصص على أمل تغيير حياتهم إلى الأفضل، وهذا أمر حسن.
السبت 16 رجب 1437 هـ – 23 ابريل 2016م – العدد 17470
http://www.alriyadh.com/1149430