عالية ممدوح
-1-
لقد استخدم هذا الفن في جميع أنحاء العالم تقريبا، وهناك بعض المدن كان الجرافيتي امتداداً راديكاليا للاعتراض والعصيان. مدينة نيويورك احتلت جدرانها تلك الانطلاقات الباهرة، بولندا، تشيلي، المكسيك في مدينة مكسيكو، براغ، سان باولو، بالطبع البرازيل، باريس، لندن، ملبورن في استراليا، برلين، كيب تاون في أفريقيا الجنوبية، موسكو، أيران، اندونسيا، بيروت اليونان، لشبونة في البرتغال ثم غزة. بانكسي الفنان البريطاني المولود 1974 أشهر جرافتي قام بزيارة غزة، هي التي كانت على ما أذكر دائما تحت الحصار. تمت الزيارة عبر الانفاق غير القانونية وقد ترك عدة رسومات على الحيطان، وجدار الفصل العنصري. وقد كتب على حائط متحطم في غزة؛ “السكان المحليون يحبون المكان لدرجة لن يرحلوا أبداً”.
في المعرض الذي زرناه في ساحة المادلين كان عدد الزوار قليل جداً، والدليل الذي قطع لنا التذاكر التي لم تكن زهيدة الثمن أيضا، قال: ستزورون معرض الجرافيتي أليس كذلك؟ كأنه غير مصدق! الذين التقينا بهم في اروقة المعرض وعبر الطوابق الثلاثة كانوا في اعمار متقدمة في السن أو في متوسطه. الشباب اليافع كان غائبا، ربما في ذلك اليوم، ويفترض أن هذه الاحترافية الجديدة هي لغة العقود الآتية لما سوف يواجه مواطن هذا العصر من مظالم وجور وقمع وبطالة. فهذه الرسومات هي أحد فنون التعبير السلبي لما استخدمه البشر في الحضارات القديمة لتوضيح الأفكار وجعل الناس تتفاهم أو تحاول ذلك بعضها مع البعض الآخر.
-2-
في بعض الدول والمراحل تبلغ تلك الرسومات أعلى مراحل المقاومة للظروف العصيبة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وقد نقلت لنا الأخبار في العام 2003 وبعد بدء الغزو على العراق، ان بريطانيا ذات العراقة الديمقراطية قد اتخذت التدابير اللازمة بإصدارها قانون السلوك غير الاجتماعي لعام 2003. قام بالتوقيع عليه النواب كميثاق يفيد أن؛ “الجرافيتي ليس فنا وإنما جريمة” كنت أبحث عبر تواقيع اللوحات المعروضة في صالة بينا كوبتك عن توقيع امرأة. كانت لوحات الرجال آسرة بالتأكيد، فهل هو فن ذكوري؟ يستهوي الشباب والرجال ويجيب على اسئلة لحقبة استثنائية حين بزغ فيها فن الشوارع هذا الذي كان يتطلب قدرات وعضلات والقيام باعتراضات ذات مدلول خام ونيىء، ولا وجود لأية استعارات. من الجائز يلزم النساء الدخول في هذه المباراة مع الذات قبل الآخرين من فنون الجرافيتي، وليس الانطلاق من نموذج تعرفه، أو شاهدته من قبل وتطابقت معه. في الثورة السورية ظهرن لكن لم نعرف الأسماء. في مصر أيضا وفي إيران شاهدت صور بعضهن ولكن بدون أسماء حتى مستعارة. بالتأكيد هذه الانواع من التحركات حتى لو كانت على سطوح أرضية أو واطئة. تشير إلى خدش لنوع من السوية الاجتماعية لكنها ظهرت في الأردن ولو على استحياء لكنها شاعت كثيراً.
-3-
الألمانية الشرقية كلاوديا فالده تعتبر أهم فنانة في فن الجرافيتي، شابة في الحادية والثلاثين من عمرها، تعيش لهذا الفن بصورة تامة كناسكة، ترتدي الجنيز وبلوزة بسيطة. اظنها تريد الخروج من ماضيها القديم، أي من تاريخها وتشكل صيرورتها الثورية في اعتبار فن الشارع نوع من الأرشيف القادر على معالجة بعض الظواهر المرضية، في إثارة المزيد من الأسئلة السحيقة، ربما، الكفيلة على مساعدتنا لاستنطاق بعض الحقيقة. الصحافة شديدة الاهتمام بهذه الفنانة التي كما يصفها الإعلام، بإنها من المستحيل اللقاء بها وإجراء أية مقابلة صحافية معها، فهي في حل وترحال ما بين قارات العالم، فقد قدمت طريقة جد طريفة فهي ترسم بادوات الريش. تلقب في الوسط الفني: ماد. ك. وتعني المجنونة باللغة الانكليزية. وقد رسمت هذه الفنانة على جدران عواصم العالم؛ مكسيكو، لندن وبودابيست. ترحل وتسافر وتبتعد كثيراً عن فضائها فهي تعيش في شبه كوخ وحين تعود تردد: على المرء أن يكون له هذه الفسحة والآفاق الشاسعة فأنا لا أقدر على العيش في شقة أو فندق… أو
4 الفنان رامزله الذي خصصت هذه الصالة الاحتفاء به وتحيته. توفي في العام 2010، وكان في الخمسين من عمره. لقد قرر القيام بعمل فني يشي عن عمق التواصل الأمريكي الفرنسي حين أوقف العمل في قطارات الولايات المتحدة وقطارات الجمهورية الفرنسية برسومات توزعت على المؤسستين. أما الرسام باندو، فقد أبدى استعداده لاستقبال فنانين من الولايات المتحدة والإقامة في فرنسا والرسم مع بعض الزملاء من فناني فرنسا. فبعد أن توقفت الحرب على العراق والمطالبة بانسحاب أمريكا من البلد، ثابر عدد من الفنانين لعمل فني يتم في لوحة واحدة وتوضع في ضواحي باريس. وراء هذا الاقتراح كان الرئيس اوباما. شعر رامزله الذي كان مغنيا ورساما وفيلسوفا، أن أيامه باتت معدودة لكنه طلب الاشتراك بهذه اللوحة. الفنان توكسيك، وباسكياه الذي توفي أيضا ثم تبعه رامزله، فاشترك الثلاثة في هذه اللوحة وجاءت بست ايادي وبعنوان: العالم على الهاوية.
***
في بيتنا في الأعظمية الجوانية، وفي الحي القديم كان منزل العائلة. وكانت الحيطان شديدة القِدم. فكتب هوبي القصاب على حائط مجاور لمحله الذي يزوره الوزراء والأعيان والأفندية: ممنوع الدين، أي الاقتراض. مترجمي الأمريكي الشهير بيتر ثرور، قام بزيارة حي الكاظمية والأعظمية الذي عشت فيه وأرسل لي صورته وهو هناك، وكانت تلك البادرة جد مؤثرة لي. لكنه ترجم هذا الذي ذكرته في روايتي النفتالين ممنوع الدين أي التدين!!
السبت 5 شعبان 1436 هـ – 23 مايو 2015م – العدد 17134
http://www.alriyadh.com/1050536