التشظي الايجابي في … التانكي – دراسة نقدية يوسف عبود جويعد


دراستي النقدية لرواية التانكي للروائية عالية ممدوح المنشوة في جريدة الزوراء ليوم 29-3-2020
أن الحداثة وما بعد الحداثة، لم تكونا مصطلحين ادبيين، الغرض منهما أن نتوسع في دائرة المعرفة والمعلومات، وانما هما يمكن لهما أن ينتقلا الى حيز التطبيق، لتقديم عمل ادبي يتخطى
المنجز الذي سبقه، وفيما يخص فن صناعة الرواية تقدم لنا الروائية عالية ممدوح روايتها (التانكي)، متجاوزة فيها الخط الفاصل بين هذين المصطلحين، ليكونا فاعلين

وحاضرين في هذا النص، لأنها إستطاعت توظيف عناصر كثيرة، وأدوات جديدة، دخلت في متن النص، لتنسج منه عملاً فنياً جديداً، حيث نكتشف فيه، الفوتوغراف، واللوحة التشكيلية،
واللقطة السينمائية، والهندسة المعمارية، والغناء، والسرد بطرق وأساليب مختلفة، وسوف ندخل من خلال الصورة التي تجمع عائلة أيوب آل والتي من خلالها نلج الى متن النص ومتابعته،
وبزاوية مختلفة لكون الشخوص الذين داخل الصورة تدب فيهم الحياة ويتحركون ويكون لكل واحد منهم دوره واهميته ضمن مسار العملية السردية، ونجد أرشيف كبير لمعالم بغداد،
وبالاخص منطقة الاعظمية، والسفينة، وشارع التانكي الكائن وسط الصليخ الجواني، والذي سنعرف لاحقاً أنه مركز الاحداث وبؤرتها الرئيسية، والتي إستلت الروائية بنية العنونة منه،
لنكتشف أن الشخوص الذين داخل الصورة الفوتوغرافية سوف ينتقلون الى المكعب الهندسي الذي أعده المهندس معاذ الآلوسي لهذا الغرض، ولينضم اليهم شخوص آخرين وضمن مقتضيات
وضرورات حركات السرد، ليستعيد كل واحد منهم مكانه الطبيعي في البقعة التي كان يعيش فيها، وأين هو ضمن مسار السرد، وقد عمدت الروائية الى الكشف الفني عالي الدقة في عملية
المسار السردي واستدعاء الشخوص بأسلوب فني جديد، لأن الغاية من إستحضار الشخوص واعادة الحياة لهم، والطواف في وطن يعج بالأحداث والكوارث والانقلابات والحروب، من بداية
الحكم الملكي، وحتى عام 2011 بداية تدوين الاحداث، والشخوص الذين هبطوا من الصورة، الى المكعب الهندسي، وسنكتشف لاحقهم دخولهم في اللوحات التشكيلية هم:
(عائلة ايوب آل الاب ايوب والابن البكر هلال والابنة عفاف والخالة سنية والخالة فتحية والبيبي فاطم والوالدة مكية والعم مختار )
وسوف ننتقل الى منطقة شارع التانكي، بأسلوب السرد المتقطع، والطريقة التي ابتكرتها الروائية في عملية تدوين الاحداث، والبناء الفني لهذا النص،إذ أننا سوف نكتشف السياق الفني
حاضراً أمامنا مع مجريات العملية السردية:
( معاذ يدعوك، يا سيّدي الدكتور، لزيارتنا، آه عندنا، في بلدي الذي نتداوله بتقطيع السرد، والخوف من فرار شخصيات القصة والعائلة من الصفحات قبل التعًّرفُّ إليك، بدءاً من الخال سامي
مروراً بالأخ هلال، ثم الآنسة عفاف )ص21
ويعتبر الدكتور فالينو، بمثابة المتلقي الأول لاحداث هذا النص، ويأتي المتلقي الاعتيادي في الدور الثاني، إذا ما إكتشفنا أنه المعالج النفسي لعفاف،وحافظ لاسرارها، والتي غادرت منطقتها
الى باريس لتمارس هوايتها هناك في الرسم التشكيلي، ثم لتختفي دون أن يعلم بها أحد، ولا احد يعرف ماذا حدث لها، ويقدم الشخوص داخل هذا النص استعراض لدورهم ومكانتهم ومدى
ارتباطهم بعفاف وحكايتهم معها، فهي المحور الرئيسي الذي يكشف لنا الرؤية الفنية الشفافة الهادة الحزينة والتي تدفعك للاحساس بأن دائرة الاحداث تطوف حول الوطن بوجع وحنين وحس
مرهف وبلغة تبعث عن الاسى:
( عثرنا على بقعة الأرض، وهي كانت معنا في تلك المنطقة القريبة من شارع التانكي، كانت فضلة من أرض الأحلام، قطعة من حديقة مُطلة على الماء، وغير مستًغًلًّة على الوجه الأكمل، تم
التفاوض مع صاحبها وبالتالي حصل المراد، تلك هي الأطياف الاولى، أطلقنا عليه بــ “المكعب”، عفاف كانت تتجوّل بين مجرات دماغي، وتلقي الأحجار من هنا، وترفع الحلفاء من
هناك)ص 45
أن العملية السردية التي إتبعتها الروائية عالية ممدوح في تدوينها لهذا النص، والرؤية الفنية التي إتخذتها سياق فني، تعتمد على التشظي في إستخدام الادوات السردية، تشظي الزمن،
والمكان، الذي يكون مبعثراً في متن النص، وفي السياق الفني ومقتضيات الظهور لكل شخصية وموقعها في هذا الزمان والمكان، وكذلك الحال فيما يخص الاحداث، التي تتطلب أحياناً
الغوص في الماضي في العمق والعودة الى بداية الاحداث بعيداً عن النسق التراتبي الذي يتبع في صناعة الرواية، الذي يعتمد على الادوات السردية وزجها تباعاً، وهو نسق فني جاء منسجماً
والرؤية الحداثوية التي تتطلبها مقتضيات صناعة هذا النص، كما أن عملية المراقبة والترصد التي اتبعت بهذا النص، تحمل سمات الحداثة لأنها واقصد هنا الروائية تقف فوق كل الشخوص
وتشرف على حركتهم وتستدعيهم للحضور كلما اقتضى الأمر لذلك.
وهكذا سنتابع ونبحث مع الشخوص، عن عفاف وحياتها وحياة اسرتها، وحياة البلد، التي تضع الروائية وجهة نظرها وفكرتها في دورة الاحداث التي دارت في الحقب الزمنية، الأمر الذي
أفردت فيه فصل بعنوان (بول العراق) وهي تقدم لنا حياتنا عندما دخل الامريكان هذا البلد، كما ترد مفردة تفاهة في اكثر موقع في هذا النص، وهي اشارة واضحة لتفاهة الحياة وسط فوضى
الحروب والكوارث.
بعدها سنعرف ان عفاف اصابت بمرض نفسي، وهي تراجع الدكتور للوقوف على حالتها، وقد افردت الروائية فصولاً للدكتور، وهو يدير دفة الاحداث ليكشف اسرار كثيرة عن حياة عفاف،
ومن خلاله سوف تتحدث عفاف عن حياتها في بغداد شارع التانكي، وكذلك في باريس.
( أعضاؤنا تصل نهاية الخدمة،دكتور.. وأنا لا أعرف بالضبط أيها أنجز مهمته أسرع، المرض الأفرنجي ؟، أم الداء البلدي؟) ص 263
رواية (التانكي) للروائية عالية ممدوح، فيها جهد فني جديد وكبير وصعب،وهو عمل يستحق الثناء
منشورات المتوسط – ايطاليا 2019

https://www.facebook.com/permalink.php?
story_fbid=2607342699550165&id=1528463247438121&__tn__=K-R