عالية ممدوح
أحد الكتاب المصريين يقول انه: «يحب مصر، يحب وطنه جداً. كل المصريين يحبون مصر جداً جداً بالرغم من فساد مؤسساتها وتلويث الكثير من شعبها، لكن هم يحبونها ضد الفساد والموت ونحن نحبها أيضا ضدا لمناخها الملوث جداً الذي يجعل الرئات والبلاعيم والأحبال الصوتية تتورم وتتبرعم وتكاد تتفجر حباً وبحة، لا ألماً ووجعا. نحبها هكذا لأمر شخصي، ذاتي، فرداني. نحبها خارج جميع المؤتمرات الثقافية الناجحة أو تلك التي – بين، بين -. نحبها لأننا لا نعرف كيف نحدد مركبات الجمال، هل هو الظل أم النور، هل هو الاختفاء الرقيق أم الوجود الكثيف؟ لا نعرف إيماءة الجميل ولا مطلق الجمال لكننا نعرف اننا نحب مصر، كل ما له علاقة بها، اقتصادها العليل، غلاؤها الذي يكسر ضلوع أهل البلد لا أصحاب العملات الأجنبية. نحب جسدها المريض، واهتراء بناياتها الكالحة، الصفراء والرصاصية التي كنت أشعر انها سوف تتفتت فيما إذا لامس أحدنا جدرانها. نحب ظمأها، ومزاجها، ذبولها ولون بشرتها الخليط من الطمى والندى والدموع.
نحبها ولا نعرف بالضبط ماذا يدور بين الأروقة والكواليس وغرف المؤسسات. لا نعرف، لماذا لم تحضر بعض أبرز الأسماء الثقافية لا لحفل الختام ولا لأيام مؤتمر الرواية العربية الثالث؟ لا نعرف الآليات التي تزعج فلانا وتضايق علانا، لا نعرف هذا الخلط بين المشاعر الطيبة والشماتة، بين الأفكار ومعارك الثأر، لا نعرف أين تتوقف النزوات ومتى تبدأ المبادئ أو الروابط الوطنية، ومتى تنفصم العلاقات الشخصية، وإذا ما انفصمت فهل تم ذلك لأسباب شخصية كما يشاع ويقال؟ سيكتب الكثير عن المؤتمر والجائزة، عن الطيب – الطيب صالح، ذلك المخلوق اللين العريكة، صاحب المزاج الرائق والسخرية المرة وهو لا ينسى ما حدث في المؤتمر قبل الأخير ورفض الجائزة وهو رئيس اللجنة، فيحضر بعض المفردات القاسية علي الرافض صنع الله إبراهيم.
سيغفل بعضنا، من ملاحظة ان الرجال العشرة من النقاد والروائيين الممتازين وهم يتسلمون ميدالية التكريم لدورهم في الاختيار والتقييم والإشادة بالفائز، هل لاحظ وسجل أحدهم الغياب التام للناقدة العربية ولدينا في مصر والبلاد العربية اسماء نقدية صارمة متبصرة وغير مساومة ودون ذكر الاسماء.
نحبها، ونحن لا نفتأ على اللقاء بالصديق الناقد الكبير (…) في جميع زياراتنا لمصر، فأقرأ في تحليله نبض الشارع المصري وفي حيز فؤاده إصرار على أن لا تسرق حياته، وحياتي وحياتنا من بين أيدينا. نحبها وأنا أسمع أغلظ الايمان من أحد موظفي مكتبة مدبولي بأنه باع من أعمال فلانة وفلان كذا وكيت وان نسخة من روايتي خبأها لأحدهم لكنه سيوافق ان تقتنيها زميلتي الكاتبة العراقية «ب. خ» من أجل عيني الصغيرتين.
نحبها بالرغم من الخفة الشديدة لبعض الأوراق المقدمة لمؤتمر الرواية العربية الثالث من قبل بعض الكتاب والكاتبات. نحبها حين لا نقرأ في اسماء الترشيحات لجائزة الرواية العربية وفي جميع دوراتها إلا اسماء الكتاب – الرجال، فالكاتبة العربية مغيبة مقصية، كسحر خليفة أو سلوى بكر أو.. أو.. على سبيل المثال لا الحصر. نحبها أكثر وأكثر وهي تلم شتات بعض – الكتاب – العراقيين من الداخل، أحمد خلف القاص والروائي والناقد طراد الكبيسي، مع الذين ظلوا في ورطة ومحنة الداخل أيضاً، فنحن وهم في نهاية المطاف نعيش ما بين المنزلتين، الفقد والضنى. نحبها، لأن فندق بيراميزا بدأ بالتدهور الصاعق في الإدارة والمصاعد والخدمات وشؤون الموظفين ومنذ استراحتنا الأولى في العام 1998. ولعل اجمل من صادفنا من مواهب هذا الفندق هو مفتاح السويت المرقم 511 الذي كنا نتقاسمه مشاركة أنا وهدى بركات. فالعصب الحديدي لا يعمل إلا بمفتاح واحد فقط وإذا ما فكرت إحدانا بالمكوث والتغيب حتى ساعة متأخرة فما عليها إلا ايقاظ ومجاملة صاحب الدائرة النارية التي تحمل في سلسلتها الماستر كي الذي يفترض انه يفتح جميع اقفال الأبواب. الطريف والفاجع ان هذا المفتاح المتطور جدا هو الآخر لا يفتح أيضا.
نحبها، وإدارة هذا الفندق سمحت للكتاب بالاقامة في غرف منفردة أو داخل سويت ولوحدهم، وحين تضاعف ازعاجنا مما اصابنا وسألنا ان ننتقل إلى غرف عادية – مثلهم – أصحابنا، سوفوا وماطلوا إلى ان غادرنا.
نحبها هكذا وأكثر واللائحة طويلة لا تحصى من اجراءات الولع المهلك، ومنغصات المحبوبة مصر.
الخميس 21 صفر 1426هـ – 31 مارس 2005م – العدد 13429
https://www.alriyadh.com/52250