بعد محاولات عدّة، لم أنجح، هذا الأسبوع، في اختيار أيٍّ من المواضيع الّتي كنت على وشك الكتابة في أحدها؛ فاخترت -بدلًا مِن ذلك- أن أقضيَ بداية أسبوعي منكبّـًا على قراءة رواية “التّشهّي” للروائيّة العراقيّة عالية ممدوح؛ وفي المقابل، الاستماع إلى الكبيرة فيروز، والاستمتاع بموسيقى الرّحابنة.
تحكي الرواية قصّة سرمد، الناشط السياسيّ المثقّف، المُترجِم والباحث العراقيّ الّذي يُصاب بمرض يؤدّي، تدريجيّـًا، إلى ضمور عضوه الذكريّ واختفائه! فتتحوّل حياته الاجتماعيّة النشِطة ونجاحه وتألّقه الدائم ومركَزه السياسيّ، إلى مأساة كبرى؛ فيحاول بكلّ الوسائل إيجاد العلاج اللازم -وبأسرع ما أمكن- لاستعادة رجولته و«فحولته» لهدف إرضاء “الأنا” الذكريّ لديه، ولإشباع غريزته وغريزة حبيبته الجنسيّة.
يسافر بعيدًا حتّى پاريس لهدف العلاج في مركَز اختصاصيّ بذلك؛ ليكتشف أنّ الحياة لا تدور حول عضوه الذكريّ، فقط! كان يفضّل سرمد أن “يبشّره” طبيبه بأنّه سيُصاب بسكتة قلبيّة أو دماغيّة قاتلة، بدل سكتته الذكريّة تلك! فالموت بسكتة قلبيّة أو دماغيّة أرحم بكثير من الموت اليوميّ بفعل السكتة الذكريّة!
نشاطات سرمد الاجتماعيّة وبطولاته وإنجازاته السياسيّة “تضمر” وتتقزّم مع ضمور عضوه الذكريّ، وتردّي فحولته.. وكأنّ جميع إنجازاته قد تحقّقت بفضل “نشاط” عضوه التناسليّ؛ لا بفضل تحصيله العلميّ ومكانته السياسيّة وأفكاره “المتنوّرة”.تسعى هذه الرواية لتعميق معنى الجنس من حيث علاقته الرئيسة بالسياسة، والذكورة من حيث علاقتها بالسلطة.. وتحكي عن الفقدان الأليم للذات وللحبيبة وللوطن، معًا.
تحاول الكاتبة عالية ممدوح التأكيد على أنّ غريزة التّشهّي تسيطر على الدماغ الذكريّ وتتملّكه، حيث يؤدّي ضمور و”اختفاء” عضو بطلنا الذكريّ إلى ضمور فكريّ لديه، أيضًا! وفي الوقت ذاته، ضمور عضو سرمد الذكريّ يشفي غليل فتيات عدّة، كنّ قد تعرّضن إلى تحرّش جنسيّ، من قِبله.. ولكنّ سرمدًا تتحوّل حياته رأسًا على عقب، أو بالأحرى، لا يعيش إلّا لهدف إعادة عضوه إلى ما كان عليه.. ولكن..!
ومن ناحية أخرى، تشير ممدوح في روايتها -بشكل مبطّن- إلى ضمور وخمول عقول عدد من السّاسة وذوي السلطة، لسبب عدم ضمور عضوهم الذكريّ- بخلاف سرمد.. ولكن في الحالتين، قد تكون النتيجة مشابهة، فقدان للذات والحبيبة والوطن.
على أمل ألّا يعاني مجتمعنا العربيّ أيّ “ضمور عضويّ”، وأن يتحرّر جزء من أفراده من تخلّفه وخموله وضموره الفكريّ!
لا أدري ما العامل المشترك -عدا عشقي، طبعًا- الّذي دفعني مدّة قراءتي لرواية “التّشهّي”، إلى الاستماع إلى الكبيرة فيروز..؟! فلربّما كان ذلك لسبب أغانيها الّتي تذكّرني، دائمًا، بالحبيبة والوطن..!
(حيفا)