كتاب.”الولع”للكاتبة العراقية عاليه ممدوح:السيرة الواقعية بصورتها التخيلية(صورة)

المؤلف: جابر عناية | رقم العدد:7060
السيدة مصعب، في رسالتها الى صديقة العمر بثينة، الرسالة الاعتراف، التي كتبتها في طريقها الى مطار »هيثرو« لاستقبال زوجها السابق، وزوجته الحالية، كانت تشكّل متن الرواية من حيث تقصدت الكاتبة ورغبتْ. اذ في عملية المقاربة الكتابية ب »الفلاش باك« السينمائية، أي العودة بالكاميرا، أو عين الذاكرة هنا، الى البدايات، تصويرها وتكبيرها واستذكارها. لما أن هدى، أو السيدة مصعب، تفرد حياتها أمام بثينة، بل أمام القارئ المتخيَّل، عبر رسالتها تلك. تعرض فيها عيشها المشترك مع زوجها السابق، الحب العاصف الذي جمع بينهما، والذي بقي، من دون أن تتمخض عنه سعادتهما المفترضة. بل أنه أرسى، مع تلك الاعتبارات الكثيرة التي اوردتها هدى في رسالتها الى بثينة، حالة رعب مكتمل بين الزوجين »عندما اتذكَّر شجاراتنا، الان، تبدو لي انها كانت أهمَّ من غرامنا. هي تعلقنا الوحيد أحدنا بالآخر، فلا نحتاج الى تدريب طويل على ذلك. كانت، على ما يبدو، الطريقة الوحيدة والممكنة لنا في الحب«. ص 6. سيرة »الولع« رواية الكاتبة العراقية عاليه ممدوح، صادرة عن »دار الآداب« هي الرابعة بعد مجموعتيها القصصية »افتتاحية للضحك« و»هوامش السيدة«، وروايتيها »ليلى والذئب« و»حبات النفتالين« تضم بين دفتيها سيرة أبطالها على السنتهم، هدى ومصعب وابنهما مازن، والزوجة الجديدة زوجة الأب وداد. لا أعرف بالضبط، ماهية تسمية هذا النوع من السير الذاتية على لسان أبطالها. وهي في »الولع« تعرض لبعض مراحل حياتها، محاولة تعميق الهم في السيرة الحقيقية من خلال الاخراج الفني، وتأكيد الهوى الخاص، بوصفه الاقرب الى الصواب. ولعل الهم الاوحد المتبدي من خلال هذا النوع الكتابي، هو تحريف الحقيقة فتكف عن كونها مرآة للواقع، بل تغدو لسان حال الكاتب ومرآة نفسه. هذا الشكل التخييلي، والذاتي، والفني في الوقت عينه، لجملة الوقائع الخام، هو ما يخرق قوانين الصدق والموضوعية، في سبيل اضفاء الحيز الجمالي على خلاصة القول والسيرة. إستيهام يزداد التخييل في السيرة الذاتية حتى حدود الاستيهام، لأن التخييل في هذه الحالة ضرورة فنية تصل عند الكاتب منتهاها لتدرك الشكل والمضمون. تعرف عاليه ممدوح في »الولع« خبايا شخصيات روايتها، كل بدرجة انتمائه ووجهة نظره وشعوره بالغبن اللاحق به. او في وصف بطولاته اليومية التي تختار درجة ارتباطها بالقضايا العامة، ودرجة تورطها بها او انسحابها من التزامها بشكل او بآخر. مصعب، الرجل المحور، الجاذب، المعشوق من نسائه كافة، رجلهن المخدوم، المدارى، ذو السلطة الفاجرة والانتصار الدائم الذي يتصاعد منه كبخار الماء من ابريق الشاي. هدى، الرقيقة، التي أبقت دائمù على المسافة بين بيت الزوجية وبيت الاحلام، ومصعب بالنسبة اليها حب حياتها الوحيد، مع ذلك العصيان الذي كانت تقدمه اليه، حروبها ومصعب كانت حروبù علانية. امرأة من جرأة وبداوة، ومؤمنة بمبدأ الالم الطويل الممض، والذهاب الى الحالات القصوى في جميع ما تعتقد به (هل يعقل أن تكرر امرأة الانتحار، وبالحاح مؤثر، ومن أجل الرجل نفسه، ولمرات ثلاث؟). مازن، ابن هدى ومصعب، الشاب المشدود بين الاجهزة والآلات، بين الاسلاك والخيوط، بين الكتب والمجلات العلمية. حذق، ويحمل على ظهره ثقل معارف كثيرة تناسب شبابه وحداثته. يعيش أيامه في لندن وتكاد المسافة، بينه وبين والديه، تنسيه وجهه الحقيقي الذي لم يتلمسه بعد، وان احتفظ بحب خفي حنون يكنَّه لهدى، واعجاب الى حد الدهشة يوليه لمصعب. وداد، على حداثة علاقتها بالعائلة المفككة اصلاً، تقدم نموذجù للمرأة العاشقة، المتزوجة حديثù، المدلهة بجمال وذكاء زوجها. هي الصغيرة ذات الوجه الخالي من التجاعيد والثغر المبتسم والدموع المترقرقة فيما لو ازدادت قسوة زوجها، المليحة، المهتمة أبدù بأناقتها في سبيل ارضاء مصعب، الذي آذته ثقافة هدى وازعجته، واراد لوداد الابتعاد عن كل ما هو ثقافي ولماح. وداد التي تعلم تمامù شخصية هدى الآسرة، والتي لا تعرف لها مكانù وسط هذه العائلة الغريبة، سوى حبها وولائها لمصعب. اعترافات هي سيرة، واقتناص دواخل. سرقة اعترافات حميمة، تبررها تلك الصيغة التي اعتمدتها عاليه ممدوح في »مونولوغات« ابطالها. وعاليه قادرة، ومتشعبة المناحي، تقارب حالات كتابية بدائية وتغادرها في آن، كعصفور لا يعرف مغادرة فضائه، بل يتسلّع على اغصان الشجر مفارقù طبيعته لثوان يعود بعدها الى رحابة الهواء. والكاتبة لا تقع في آلية الكتابة في استعمالها بنى ومراجع، بل لا تني تغادر الآلية تلك وان بنسب متفاوتة. بهذا المعنى، الرواية لا تنهي الحكاية، بل تخلق لها احتمالات صوغ اخرى، يتأتى اثرها، انتقال الصيغة الى افقها الآخر. لست بصدد الكلام على تجديد، او على واقعة حداثية مشهودة في تاريخ كتابة الرواية، من زاوية جعلها سيرة ذاتية. بل هو سرد فيه من العافية ما فيه من العفوية المدرجة في سياق متخيل، او في وقائع فعلية. اننا ازاء هيكلية ابداعية لا تجد غضاضة في استدعاء ما يلزم، من لغة متينة وثقافة محصلة من تجارب راقية، لاقامة الرواية على اغراءاتها وعلى متونها من دون الوقوع على حافة القصد. الحديث في »الولع« عن اللغة حاشد، فهي لغة مستلهمة من قراءات اجنبية بالغة الرفعة، وتراث عربي زاخر بالغنى. ثنائية تخدم الرواية حتى التجلي، قافزة بين اشخاصها، ولاعبة على الافق المسدود، بأضواء الدواخل التي ترفض حصار الخارج القاتم. عناية جابر

https://archive.assafir.com/ssr/766558.html