فيلم : ياطير الطاير… تقلبات موهوب حتى النجومية

عالية ممدوح

ـ 1 ـ
كانت جارتي تبكي . لم أر أو أحسب دموعها ، لكنها كانت تشهق وتنزع عويناتها ، تمسحها لكي ترى أفضل . أنا غرغرت عيني ، ثم بلعتها كما بلعت دموعا غزيرة غيرها على بلدي وغزة و.., بكاميرا كانت تتحرك من مخيم اللاجئين حيث كان الفلسطيني محمد عساف يعيش وإلى القفلة الأخيرة وهو يتوج بلقب محبوب العرب للعام 2012 عبر المحطة السعودية ذائعة الصيت :
mbc
لمخرج فلسطيني مولود في الناصرة . درس هندسة الطيران ، لكنه أتجه للسينما بعدما ترشح فيلمه للأوسكار لأفضل فيلم أجنبي : الجنة الآن ، وعمر . يعيش اليوم في هولندا . هاني أبو أسعد يضع أمامنا بعض العلامات وسط العتمة كمصابيح ولو خانسة لكي نرى الأشياء المدمرة لمدينة كانت تريد حبالا صوتية مرهفة كالحرير وقوية كالفولاذ حتى يرمم بيوتها وازقتها وأرواحها ، فتراكم الإذلال في الوجدان الإنساني يدع المرء يتكئ على صوت يتمنى لو كان مقصا يقطع به الاسلاك الشائكة ، وصفحة من عدل ليقوض به الاستيطان . فيلم أبو أسعد مزيج من اهازيج وشعارات وتهاليل ومواكب غزاوية محتدمة تنشد الحرية حتى لودفعت لبعض المبالغات ، كما كرر أطفال الفيلم كليشية : تغيير العالم ؛ شعار المراحل المنقضية في حقب النضال الوطني والقومي والأممي . وملصقات ما زالت تحمل قوة الحياة بسبب هشاشة الحياة ذاتها . أطفال أربعة لا يحملون ولو واحد بالمائة من الحظ ، لكنهم لا يفصلون الحلم عن الحظ إذا ما استجاب لأحدهم فوقف في الطابور وفي بلعومه تتعثر الأغنية ، فيظهر الأسى ونحن نلاحق من بينهم الفتى محمد الذي يحاصرنا صوته ويلهمنا عذوبة القوة والوعي . كانت الموهبة ، موهبته وحيدة وتعاني من تقشف ما حولها من لعنة وحرمان وتقتير ، ولكن لا يجوز التفريط بها . وهبة ، الأخت الصغرى ، إيمانها بصوت محمد شقيقها أشد منه . هبة ، هذه تحمل بذوراً عدة في العينين والصمت وقوة الغضب لكي تؤدي دوراً فريداً في المستقبل : الفلسطينة الهائلة .
ـ 2 ـ
فيلم ياطير الطاير يستذكر سيناريو بسيط غير مركب ولا معقد . ألتقط الدروس المحفوظة عن ظهر قلب : غزة لا تزال سجنا لكنها قد تسرب نجما يشع في سماوات عربية ودولية فتدخل المسرات للقلب المحزون فتشعر أنك حي . . كتبا هذا السيناريو هاني أبو أسعد وسامح الزغبي . استحصلوا تصاريح من القطاع ووصلوا الضفة الغربية وجنين ، ودول عربية كمصر والاردن ، هي مواقع التصوير . أما الممثل الذي أدى دور عساف الصغير ، قام بإداء الدور { قيس عطا الله } فكان شديد الشبه والملاحة بعساف الأصلي في يفاعته الأولى . والممثل الذي أدى دور عساف وهو شاب ، وقام بتلك الجولات الجنونية للوصول لمصر والدخول للمسابقة فقد كانت لغة جسده وإطلالته بعيدة عن الأصل كثيراً . ظهرت المخرجة والممثلة اللبنانيةنادين لبكي في لقطات سريعة والممثل علي سليمان ، واختتم الفيلم في مشهد واحد خلال إعلان الفوز بالمسابقة بظهور عساف الأصل وهو محمول على الأكف والاعناق . فيلم يعرض في صالات باريس هذه الأيام بمناسبة اسبوع الفيلم الفلسطيني . يحمل رهافة وإصرار شبان وهم يبحثون عن كراج أو قاعة أو استديو عتيق أو شاحنة رطبة تسمح لهم بضرب الطبول وعزف الموسيقى والغناء الذي كان وعلى نحو ما يٌسمع كأنين سري مغمس بعذابات شعوب كثيرة مثلنا ، كابدت من النفي وتحطيم الإرادات كما هؤلاء الفتيان الذين يقفون عند حافة عالم منذور للرعب واللاعدالة ، ولكن بغتة ، يحضر الصوت العجيب فيضطرب كل ما حوله ، فلا يعود كل شيء إلى سابق عهده .