الرواية والثقافة العراقية بحاجة الى مؤسسات ثقافية متخصصة بالطبع والتوزيع والنشر مدعومة تسهم في نشر النتاجات المختلفة وتبنيها
ولد بين ضفتي الآلهة قريبا من معبد اللغة وعاش جدل الألسن في برج بابل ليكتب التاريخ بروح الناقد الحصيف أسموه بإسماعيل ليضاف الى أب اسمه إبراهيم فكان عندها التناص. كتب في النقد وأجاد الاشتغال على
القصة القصيرة فأبدع أيضا وهو مسكون بالسؤال على الدوام. نشر في العديد من الصحف العراقية والعربية ونال اهتماماً كبيراً من قبل قراء كثر .
طبعت له ذر التماثل ـ نصوص 2001 وألواح نيكار ـ نصوص 2006 ومنشئيات مأوى القص 2007 و قمة من النشوى ـ قصص 2009 والقص وحدة نصية ـ نقد ـ مديات ثقافية 2010 والحداثات الاربع
للشعرية في العراق ـ نقد 2011 والقص الموجز ـ آليات متقدمة ـ نقد 2011 والقصص نصيات تداولية نقد 2012 والأدنى والأقصى ,طفولة وثقافة ـ نقد 2014 والرواية العراقية الـ مابعد إنشائية ,تقانات
وتداول ـ نقد 2014.
حاوره / حسين محمد شريف
* أستاذ إسماعيل كأي سؤال أبدأ به غالبا هل لك ان تفسر لماذا تراى رواية التشهي مهمة الأمر الذي دفعك لترشيحها لهذا الحوار؟
– الروائية والرواية هما حالة متقدمة من الجرأة والتأريخ الادبي والصحافي , ولقد انحزت لها لأسباب فنية وثقافية منها مثلا , القدرة الكبيرة على جعل الجسد تأريخا للناس والاحزاب والسياسة , اضافة الى اللغة
العالية في تجسيداتها , وشاعريها , الصادمة في واقعيتها.. كل ذلك يعني أنني تمتعت بها تماما من دون ان يكون للوصف الايروسي أي تأثير على خياراتي .
* الرواية كانت طافحة بالايروس وهو تقريبا خلافا للسائد إذ ان امرأة تكتب عن عوالم الرجل ماذا يحدث في التشهي؟
– هذه القدرة الكبيرة على الفهم والإفهام , ارشح اسبابها الى نوعين من الثقافة هما تجربة الاطلاع على علم الفسيولوجيا العام , وعلم النفس السلوكي والاجتماعي , وقد تكون للتجربة الصحافية الخاصة بالتحقيقات
جعلت الصور الموصوفة كأنها حِسية (تجسد) الفعل القريب من السلوك الايروسي..
في رواية التشهي رغبات مكبوتة تم التصريح المباشر عنها , بلغة كلها صراخ لجوع جنسي , كأنه ذكوري , وحسرات على تأريخ حافل بالتأسي على ضياع الأجساد في نواحها القاتل المكبوت ..
كأن الرواية صرخة احتجاج على التمييز بين الرجل والمرأة في شأن المساواة القيمية بين الجسدين .. المقموع وتحديه هي القضية (الاهم) على ما اخمن , وليس التصريح الفاحش بالفعل الجنسي.
* نعم، وهناك على الضفة الأخرى رواية الغلامة وهي تسرد قسوة الجسد وتصوير المرأة القوية هل ثمة تناص بين العملين طبقا لمفاهيم النقد؟
– المرأة لم تكن قوية في الرواية بل مؤثرة ومتساوية مع الآخر , والجسد لم يكن سلعة تداول .. الجسد خاصة (الفرج) تصوره الروائية كانه الابتسامة والنور والقمر والرحمة والجمال والعطر والبرتقال والشياكة ,
والفستق , والحنو والوهج المشع بالفرح … وهو مكمن المعارك والانتصارات او الانكسارات .. كما أنه الوعي والانسانية كلها ….
هذا يؤكد حالة متفردة في التشهي هي , أن أعتم وأظلم جزءاً في الجسد ينتج أعظم متعة للخلق , والأمومة والنشأة , وأوضح صورة للكرم الانساني..
* أثارني مشهد في الرواية يتعلق بلحظة الكشف عن الجسد بالاستعانة بالضوء إذ يحاول البطل شراء بلوجكتر لهذا الغرض ما علاقة الضوء بالجسد؟
– الروائية تعتقد أن الجسد يشع بالمتعة , والضوء يزيد اوار الرغبة , وكلاهما تجسيد حي للكشف والعري الذي يفيض بالصراحة والواقعية , يفضح ويعلن الحاجة بأوسع اللغات حدة وندية.
* لقد وجدت ان حمولات إيديولوجية واضحة القسوة في الرواية لا سيما هجوها على الحزب الشيوعي العراقي أيام وجود بعض قيادته في لندن وأبو مكسيم نموذج لتلك الحمولة ماذا تقول؟
– الحق ان ذلك صار اتجاها بين الأعوام 1980ـ 2003 , إذ اخذت جموع المثقفين اليساريين بالارتداد عن الأيدلوجيات , وصارت الروايات عموما تُحَمِّل الفشل الثوري في العالم الى سوء ادارات الاحزاب
اليسارية , بل اتهمهم البعض بالشمولية والدكتاتورية , لكن واقع الحال ان الزمن التقني هو الذي وسّع الهوة بين الالتزام الأخلاقي والالتزام الأيدلوجي , ومن ثم انتصر التقني الرأسمالي على الأيدلوجي والأخلاقي مما
وضع اليسار بخانة الإحراج الشديدة .. لكن تأن بسيط يكشف ان الصراع الآن يتحول , بين الكادحين والرأسماليين , الى مستوى اعلامي واقتصادي , وهو لن يحسم لصالح جهة ( ما ) قبل 50 سنة قادمة , بسبب
تحول الرأسمالية الى النفعية الإجتماعية (البراجماتية) التي تعطي حقوقا انسانية كثيرة للطبقات الفقيرة , لكن ذلك يخفي التحطيم والتدمير المبرمج للقوى الطليعية الهادفة الى تحقيق بناء اجتماعي تقني يسعد البشر
جميعا … فالزمن الآن هدنة أمدها 50عاما ـ على ما أُخَمِّن ـ لكي تنضج من جديد قوى المقاومة للتذويب والإمحاء التي تمارسها البراجماتية الامريكية تحديدا.. الرواية كشف قاس لما أوردتُهُ آنفا , كشف غير منصف
وانفعالي , لكونها ليست وثيقة , انما هي عمل يكاد يتحرر من التزامات اليسار كلها , لولا بعض الحياء الوجداني !
* انتبهت الى ان الرواية تقدم معلومات علمية أحيانا عن الكرموسومات مثلا هل ترى ذلك أمرا حسنا او خلاف ذلك إذ يعد ضعفا فنيا حين تلج الرواية مناطق العلم من دون ان تكون معنية بها؟
– هذه واحدة من غايات التجريب والحرية في العمل , وقد إسْتِثْمُرَت بما يتلاءم مع الحالة الجنسية للبطل العنين , على كِبَر , وواضح أنها استثمرت الوعي العلمي لا العلم ذاته , وبطريقة سردية , على الرغم من
وجود بدائل عن ذلك, بل ان التجربة تكاد تكون عرفانية لا علمية , لكنها ممتعة!
* (سقراط ليس طبيبا.. الموت وحده الطبيب. سقراط كان فقط المريض. و…) هكذا بالضبط تنتهي الرواية كيف قرأت تلك النهاية؟
– إنها تلوّح الى مسألتين هما:
** أن الحلول الثقافية والانسانية لن تكون بالعودة التراجعية للجسد ولواعجه وفلسفته إنما الى فهمه وعدم السكوت على حاجاته ..
** والمسألة الثانية , على ما أرى , تريد القول لا علم يخرج نظيفا من الخرافة ولن يكون نظيفا من العوارض المؤذية !
** او إنها تهدف الى ابعد من المسألتين .. الى موضوعة توقف زمن الرواية والغاء أثر أي نص بشري لكونهما مصوغين ليس بذي أهمية, كأنها ترسم عدمية , تخصها , لفهم العالم .
* ما أهمية رواية التشهي في الأدب العراقي وتحديدا ما الذي أضافته للسردية العراقية الآن؟
بحسب فهمي أنها لم تضف شيئا تقنيا , عدا اللعب بالراوي والوصف اللغوي , بقدر كشفها عن مستورات عديدة في فهم الذكورة بين النساء وفهم الانوثة بين الرجال..
– الرواية في تسليطها الضوء على اعتم بؤر الحياء , (العجز الجنسي الصريح) , ووضعه بمصاف القضايا الكبرى , وربط التطورات التأريخية السياسية والاجتماعية به , ثم لغة الاقناع الممتعة , إضافة الى تأكيد
عراقية المواطن بواسطة فعل الجماع , حتى المهمل لأي ضرب من السياسة , تلك هي مضافات للفهم وللثقافة اكثر مما تضيفه من تقنيات , على اهمية ذلك لو تعمدته.
* طيب أستاذ إسماعيل دعنا نلج في هموم السرد العراقي المعاصر كيف ترى المشهد فنيا وما إمكانية ان تكون الرواية العراقية عالمية بعيدا عن الجوائز؟
– أنا درست الرواية العراقية عن كثب واستطيع ان احدد بعض ملامحها الخاصة وارها بمثل الآتي: اولا : عليَّ الإقرار بأن فنية الرواية لم تتغير كثيرا على مستوى اللغة , والسرد , والروي , والقص , وطرائق
التجريب .. وتقانات القول تتجه مثلما تتجه به الرواية العربية والعالمية , وتحاول الولوغ الى الجسد الفني بطريقة مقنعة..
ثانيا : تتميز الرواية , من جانب التحول الفكري , بالآتي:
أ ـ انها رواية العودة الى الجذور التي لن تخطيء طريق الجمال , لان جذورها , بلا ادعاء,أصيلة وعميقة في التأسيس والإمتاع.
ب ـ التنوع الكبير والاصرار على التميز يجعل فرصة العالمية اكبر لها من بقية الروايات في البلدان الاخرى .
ج ـ يوجد ارتداد عالمي مثل صحوة الضمير لرعاية السردية العراقية ثبتها المغتربون اولا ثم تناغم معها المحتل اعلاميا للحاجة الى القول ان الحضارة الامريكية انعشت الفنون العراقية .
د ـ انفتاح الجامعات العراقية على الدراسات الحديثة اخذ يوسّع مساحة الاهتمام بالسردية المحلية , اكاديميا , الى درجة قد تتطور كثيرا , مما يعني تبلور اتجاهات للفرز والمتابعة تبين خصوصية القص العراقي بجميع
صنوفه.
هـ ـ الجوائز , مع كل ماقيل عنها , اعطت زخما اعلاميا يدفع بالرواية الى العالمية , دراسة وترجمة واعلام .. والجوائز مؤشر مهم لكونه يأتي بعد تَأَهُل الرواية فنيا ونضجها فكريا , وليس العكس …
و ـ لعل اهم تقنية عراقية يمكن تأشيرها هي ثيمة الروايات التي تتعلق بالدعوة الى الحرية والمجتمع المدني الدستوري , والمساواة بالرفاه المادي , والاعلان الصريح بالحقوق الاثنية والقومية لجميع المواطنين.
* باعتقادك ما الجديد الذي تلجه السردية العراقية وما الفتوحات التي تقوم بها خلافا للسردية العربية أي خصوصية الرواية العراقية أين تكمن؟
– اود تأشير خصوصية السردية العراقية (الرواية والقصة ) بكونها ذات فتوحات تخص بداية النهضة الفنية للقص العراقي / بضمن هذا الافتراض يمكن تحديد الآتي:
– يقوم الروائيون بجهد فردي شبه اعجازي في توصيل صوتهم الروائي , كفن وقضية , بسبب العجز الثقافي الكبير من قبل ادارة الدولة .
– يشكل الاحتجاج المؤسي ابرز مظاهر وهموم الرواية بعد تجربة الاشتغال بالعودة الى الجذور.
– التأريخ المُحَوّر والوثائق المُتَصَرّف بها احتلت قدرا مهما من الاشتغال الروائي.
– التغريب والمواءمة بين روايات الداخل والخارج يأخذ , عراقيا , صفة التنافس على الأفضلية في خدمة القضية العراقية وليس الاختلاف ايدلوجيا في النظر الى قضية الاحتلال او الخلل المفتعل امريكيا .
– انفتاح الرواية على جميع التجارب العالمية والعربية ومحاولة وضع التجربة العراقية بالمواجهة التعاونية كأنها وسيط حضاري لنشر المعرفة لا التصادم شكل نهمة اضافية لروائية الفن السردي في العراق.
– تتفق جميع الروايات على الاثر الكارثي للدكتاتورية على الأمن والسلم والتآخي لمواطني البلد.
– عدم التفات الرواية للنكوص والحرب الطاحنة ضدها من قبل القوى المضادة للتقدم , وتلقيها لتلك المعارضات بروح صمودية عالية تصلح وتهدي الى التغير الحضاري البنائي .
* شكرا لك أستاذ إسماعيل وإذ تشكر التآخي لكم سعة الصدر بالإجابة على أسئلتها ما الذي تودون ان تختموا به حواركم الجميل هذا؟
– أود القول الى ان الرواية والثقافة العراقية بحاجة الى:
أ – مؤسسات ثقافية متخصصة بالطبع والتوزيع والنشر مدعومة تسهم في نشر النتاجات المختلفة وتبنيها كتمويل مالي .
ب – اهتمام اكبر بثقافة القوميات غير العربية.
ج – الاهتمام الاكبر بالتراث الشعبي العراقي لكونه كنز العراق الذي يظل رافدا اقتصاديا وثقافيا لن ينضب .
د – الاهتمام بأدب الطفل ونتاج المرأة العراقية الثقافي والفني .
هـ – توسيع بنى النقد العراقي ليشمل التلاقح بين التقنيات النقدية الادبية والثقافية والعلوم الانسانية والوظيفية الاخرى كمحاولة لردم الفجوة بين العلوم التقنية والمعارف الثقافية والانسانية .
– الاهتمام المُرَكّز بالأدب الكوردي المكتوب بالعربية والكوردية , ترجمة وتأليفا لتصير ثقافتنا وطنية بشكل عملي خدمة لوحدة العراق التاريخية والحضارية.