رد على مقال «الجوائز الثقافية مؤشرات إبداع أم مصائد» الغموض حالة ملهمة!

عالية ممدوح
1 نشرت مطبوعة “” الزمان “” اليومية ، طبعة العراق ، مقالا للأستاذ سعد الدين خضر بتاريخ 12 أكتوبر 2010 بعنوان : “” الجوائز الثقافية مؤشرات إبداع أم مصائد “” وردت فيه بعض أسماء الكاتبات العربيات الست اللاتي دعين للولايات المتحدة الأمريكية في العام 2005 ، وكنت واحدة منهن، وزميلات من السعودية رجاء عالم ، والفلسطينية سهير حماد ، والمصرية ابتهال سالم ، والعراقية الكردية شومان هادي والأردنية فاديا فقير . هذا المقال به جانب توضيحي حول الجوائز وأسماء بعض الفائزين والفائزات تحمل بعض التهكم المبطن ، وبه جانب طريف ، وهو ما يخص رحلتنا إلى جزيرة تبعد بضعة أميال عن مدينة سياتل . بعد عودتي كتبت سلسلة مقالات ، وما زال يُطلب مني تبويبها لكي تصدر في كتاب . المقال الذي نحن بصدده يتحدث عن الجوائز واستحقاقاتها للبعض والأفخاخ التي تكمن وراءها ، والضجة والدوي الذي جرى ومازال يجري في كواليسها . وبغتة ، في منتصف المقال يكتب قائلا : “” وأود أن أضيف إلى تلك الجوائز ، ذلك الإجراء الذهبي والمفاجئ والغامض الذي ابتدعته كل من الكاتبة { شيريل فيلدمان و السيدة الثرية { نانسي سيكنرنوردهوف والمعروف بمشروع < هيجبروك > بدعوة ست كاتبات كل شهرين مرة للعيش في اكواخ { خمس نجوم القوسين من الكاتب ! ، وفي غابة في الولايات المتحدة أشبه بالجزيرة المنعزلة … كل ذلك من أجل إتاحة أجواء الإبداع لهن ؟؟ “” . علامات الاستفهام من الكاتب أيضا . انتهى الكلام الذي يخص رحلتنا ، بعدما يواصل الحديث عن لجان التحكيم ، عن الذي استقال واعترض ، ثم يصل إلى موضوعه المنشود والخاص : كلية الحدباء في مدينة الموصل، والجائزة الجديدة التي استحدثتها باسم { زهرة البيبون أو { البابونج وهو اسم جميل ومعبر لاسم جائزة عراقية جديدة . حسنا ، أعدت قراءة المقال أكثر من مرة ولم أعرف أين يتعين على الكاتب أن يضعنا في مقاله ؟ وفي أية صفة تأمل وضعيتنا ؛ عربيات حضرن من منطقة ملتهبة ، واصفا دعوتنا إلى هناك أولا : بالإجراء ، وثانيا بالذهبي ، وثالثا ، وهو الأهم بالغامض . ما شأننا نحن ككاتبات بعنوان مقاله ، وبالإجراءات المتوالية لجميع ما يرد في قوانين الجوائز ، إلا تلك الكلمات ، كلماته التي وضعتُ تحتها خطوطا كي تنعشني بالكتابة عنها ، أهمها كلمة الغموض ، الذي يستهويني جدا!

2
شخصيا ، كانت فكرة الدعوة والبقاء في مكان منعزل ولفترة شهر ، ووسط غابة ، تحمل تجليات شعرية وصوفية فاتنة جدا ، كما كانت رافعة باهرة للاقتراب من الذات والمثابرة على تطوير أنواع من العناء ، وتدريب الإرادة على مصاعب مختلفة لم يكن بمقدوري من قبل الانغماس بها ، والاستمتاع بأشياء وأمور غاية في البساطة واللطافة ، ثم ، تلك المصاحبة الحميمة لحياة يومية سخية ، طريفة ونادرة فيما بيننا ككاتبات عربيات مختلفات تماما ، لكننا هناك ، كنا نتحرك على مساحة واسعة من البشاشة الروحية ، والسعْد النفسي ، ولو أن تلك الصحبة لم تتواصل فيما بعد بسبب ظروف كل واحدة منّا . كلام الكاتب عنا ، شعرت ، انه لا يخصنا ، هو مقحم ، طارئ ، ولا علاقة لنا به ، إلا بنسبة ما أطلق عليه الكاتب ب < الغموض > الذي يحضر في الغالب من دعوات توجه لنا ، ككاتبات ، باحثات ، أكاديميات الخ إلى ما وراء الأطلسي . هذا الغموض ، من الجائز أن يكون منتحلا أو حقيقيا من وقائع وأسانيد ذات نفّس ملتبس لما يكمن في منهاج دعوات كهذه . هناك ، كنا نتساءل أيضا حول هذا المشروع الغريب والجميل وشبه النادر ، وشخصيا طرحت هذه الأسئلة على إحدى السيدتين التي حضرت لوداعنا ، ودونت ذلك في سلسلة مقالاتي . تلك السيدة لم تكن ، أو لم تحاول إعطاء الدروس ، ولا كانت قاضية تحكم علينا من خلال بلداننا ، بلى ، كانت ثرية وقانون الضرائب في الولايات المتحدة يعفي على نسب معينة من الأموال فيما لو تحولت نسبة من أرباحهم إلى أعمال خيرية غير ربحية . نحن لم نتقاض دولارا واحدا في جميع المحاضرات والندوات والمقابلات الجامعية والصحافية التي اشتغلنا عليها جميعا ، بل على العكس ، كانت القاعات حاشدة إلى آخرها، والجمهور هناك يدفع ما يقارب ال 25 دولارا للإصغاء إلينا ، لكاتبات آتيات من بقاع ساخنة ، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر على الخصوص.

3
حاولتْ كل واحدة منا هناك أن تقدم بلدها وذاتها ، شهادة من إبداعها وأفكارها ، استحضار أسئلتها الحقيقية على الولايات المتحدة وهي تحتل بلدا كالعراق ، أو كيف كانت هذه الدعوة وبالذات تفتح أفقا من التعارف والتحاور مع الآخر والالتقاء به ، ولو في جزيرة منعزلة فهذا إغناء لنا ولهم ، فهذا العالم لا يعمر بهم وحدهم ، ولا بنا ولوحدنا . صحيح لدى الأغلبية منا ، ليست أفكارا مسبقة عن سياسة أمريكا ، فأعمالها الوحشية شاهدة على ذلك ، لكن تلك القارة حاشدة بأفواج من المفكرين والكتاب ، ومن الأثرياء ، ولم لا ، الذين يتوفرون على شغف جميل بالفنون والآداب ، باللقاءات الحقيقية والحميمة ما بين البشر ، باكتشاف الغير بلا زركشة طنانة ، أو ديباجات سأمة . لم ننل هناك أية جوائز ، إلا جائزة لا تقدر بثمن ، هو التعارف ببشر ثري بمشاعره وأفكاره الإنسانية ، وهويته البسيطة والنبيلة التي جعلتني شخصيا أعيد وأنقح مجمل ما وصلنا من حكومات أمريكية لم يوافق شعبها وشعوب العالم على ذلك التدخل الشائن في مقدرات الشعوب . بعد كل تلك السنين التي مرت على تلك الدعوة ، لا أظن أن إحدى السيدتين قد تفاوضت مع واحدة منا ككاتبة ، واستطاعت صنارة الثراء أو .. أو .. أن تصطاد إحدانا فتقع في فخاخ نُصبت حولنا من قبل لكي نبدو ، ومن بعد ، كضحيات ، فنقوم بالتكذيب أو المراوغة على تلك أو هذه .. قراءة مقال كهذا يدفع للتساؤل ؛ ماذا لو استثمرت سيدات عربيات ثريات ومن جميع أنحاء عالمنا العربي بالدعوة العكسية ، ماذا لو أعلنت أميرات عربيات يمتلكن الفكر التنويري ، الطليعي والنهضوي في عمل مؤسسة كتلك ال < هيجبروك > الأمريكية ومصاغة بصيغنا العربية تكون في مدن كجدة ، والطائف ، في عُمان أو الدوحة أو الشارقة أو لبنان أو .. ثروات هائلة بعضهن لا يعرفن ماذا يفعلن بها . فماذا لو تم بناء مجمع بسيط ، راقٍ مختلف ، تدعى إليه الباحثات والفنانات ، الشاعرات والروائيات ، ومن جميع قارات العالم في نسق تراتبي للتعارف ، للكتابة ، للرسم ، للنحت ، للبحث عن الآخر ، للاقتراب من الخصائص الجميلة لشعوبنا ومثقفيا ومثقفاتنا ، ولأجيالنا الجديدة الصاعدة ، والتي تصعد في أكثر من دولة عربية ، فربما لا يسع أحدهم أن يكتب قائلا : هذا إجراء غامض !

الخميس 28ربيع الأول 1432 هـ – 3 مارس 2011م -العدد 15592
https://www.alriyadh.com/610164